للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَشربُه عَشيَّةً للدَّواءِ: أكرَهُه؛ لأنه نَبيذٌ، ولكنْ يَطبخُه ويَشربُه على المكانِ، وقد رَوى أبو داودَ بإسنادِه عن رَسولِ اللهِ «أنه نهَى أنْ يُنبذَ البُسرُ والرُّطبُ جَميعًا، ونهَى أنْ يُنبذَ الزَّبيبُ والتَّمرُ جَميعًا»، وفي رِوايةٍ: «وانتَبِذْ كلَّ واحِدٍ على حِدَةٍ»، وعن أبي قتادةَ قالَ: «نهَى النبيُّ أنْ يُجمعَ بينَ التَّمرِ والزَّهوِ، والتمرِ والزَّبيبِ، ولْيُنبذْ كلُّ واحِدٍ منهُما على حِدَةٍ» مُتفَقٌ عليه، قالَ القاضِي: يَعنِي أحمَدُ بقَولِه: «هو حَرامٌ» إذا اشتَدَّ وأسكَرَ، وإذا لم يُسكِرْ لم يَحرمْ، وهذا هو الصحيحُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.

وإنما نهَى النبيُّ لعلَّةِ إسراعِه إلى السُّكْرِ المُحرَّمِ، فإذا لم يُوجَدْ لم يَثبُتِ التحريمُ، كما أنه نهَى عن الانتباذِ في الأوعيَةِ المَذكورةِ لهذه العلَّةِ، ثم أمَرَهم بالشُّربِ فيها ما لم تُوجَدْ حَقيقةُ الإسكارِ، فقدْ دَلَّ على صحةِ هذا ما رُويَ عن عائِشةَ قالتْ: «كُنَّا نَنبذُ لرَسولِ اللهِ فنأخُذُ قَبضةً مِنْ تَمرٍ وقَبضةً مِنْ زَبيبٍ فنَطرحُها فيه ثم نَصبُّ عليها الماءَ، فنَنبِذُه غَدوةً فيَشربُه عَشِيةً، ونَنبذُه عَشِيةً فيَشربُه غَدوةً» (١) رَواهُ ابنُ ماجةَ وأبو داودَ، فلمَّا كانتْ مُدةُ الانتباذِ قَريبةً وهي يَومٌ ولَيلةٌ لا يُتوهَّمُ الإسكارُ فيها لم يُكرهْ، فلو كانَ مَكروهًا لَمَا فُعلَ هذا في بيتِ النبيِّ له، فعَلى هذا لا يُكرهُ ما كانَ في المُدةِ اليَسيرةِ، ويُكرهُ ما كانَ في مُدةٍ يُحتملُ إفضاؤُه إلى الإسكارِ، ولا يَثبتُ التحريمُ ما لم يُغْلَ أو تَمضيَ عليهِ ثلاثةُ أيامٍ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٧٠٨)، وابن ماجه (٣٣٩٨).
(٢) «المغني» (٩/ ١٤٥)، و «الكافي» (٤/ ٣٣٣)، و «المبدع» (٩/ ١٠٧)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٣٧)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٥٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٢٢، ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>