للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : هذهِ الأحاديثُ في النهيِ عن انتباذِ الخَليطينِ وشُربِهما، وهُمَا تَمرٌ وزَبيبٌ، أو تَمرٌ ورُطبٌ، أو تَمرٌ وبُسرٌ، أو رُطبٌ وبُسرٌ، أو زَهوٌ وواحِدٌ مِنْ هذهِ المَذكوراتِ ونحوِ ذلكَ، قالَ أصحابُنا وغَيرُهم مِنْ العُلماءِ: سَببُ الكَراهةِ فيه أنَّ الإسكارِ يَسرعُ إليهِ بسَببِ الخَلطِ قبلَ أنْ يَتغيرَ طَعمُه، فيَظنُّ الشاربُ أنه ليسَ مُسكِرًا ويَكونُ مُسكرًا، ومَذهبُنا ومَذهبُ الجُمهورِ أنَّ هذا النهيَ لكَراهةِ التَّنزيهِ، ولا يَحرمُ ذلكَ ما لم يَصِرْ مُسكِرًا، وبهذا قالَ جَماهيرُ العُلماءِ.

وقالَ بعضُ المالِكيةِ: هو حَرامٌ.

وقالَ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ في رِوايةٍ عنه: لا كَراهةَ فيه ولا بأسَ به؛ لأنَّ ما حَلَّ مُفرَدًا حَلَّ مُخلوطًا، وأنكَرَ عليه الجُمهورُ وقالوا: مُنابَذةٌ لصاحِبِ الشَّرعِ؛ فقدْ ثَبتَتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ الصريحةُ في النهيِ عنه، فإنْ لم يَكنْ حَرامًا كانَ مَكروهًا.

واختَلفَ أصحابُ مالِكٍ في أنَّ النهيَ هل يَختصُّ بالشُّربِ؟ أم يَعمُّه وغيرَه؟ والأصَحُّ التعميمُ، وأما خَلطُهما في الانتِباذِ بل في مَعجونٍ وغيرِه فلا بأسَ به، واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ويُكرهُ الخَليطانِ، وهو أنْ يُنبذَ في الماءِ شَيئانِ؛ «لأنَّ النبيَّ نهَى عن الخَليطينِ»، وقالَ أحمَدُ: الخَليطانِ حَرامٌ، وقالَ في الرَّجلِ يَنقعُ الزَّبيبَ والتَّمرَ الهِنديَّ والعُنَّابَ ونحوَه يَنقعُه غَدوةً


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٣/ ١٥٤، ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>