للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه شَرابُ الطِّلاءِ، وأنا سائلٌ عمَّا شَربَ، فإنْ كانَ يُسكِرُ جَلدتُه، فجلَدَه عمرُ الحَدَّ تامًّا» (١)، ولأنَّ الرائحةَ تَدلُّ على شُربِه، فجَرَى مَجرى الإقرارِ (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ وغيرُهم إلى أنه لا يَثبتُ حَدُّ شُربِ الخَمرِ بوُجودِ رائحةِ الخَمرِ مِنْ فيهِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٤]، وليسَ له بالرائحةِ عِلمٌ مُتحقِّقٌ، فلمْ يَجُزْ أنْ يُحكَمَ بهِ، ولأنه يَجوزُ أنْ يكونَ قد تَمضمضَ بالخَمرِ ثمَّ مَجَّها ولم يَشربْها، فلمْ تُدرَكْ رائِحتُها مِنْ فمِه على شُربِها، ولأنه ربَّما أُكرِهَ على شُربِها، ولأن رائحةَ الخَمرِ مُشتركةٌ يَجوزُ أنْ يُوجَدَ مثلُها في أكلِ النَّبقِ وبَعضِ الفَواكِه، فلمْ يُقطَعْ به عليها، ولأنَّ رائحةَ الخَمرِ قد تُوجَدُ في كثيرٍ مِنْ الأشرِبةِ المُباحةِ كشَرابِ التفاحِ والسَّفرجلِ ورُبوبِ الفَواكهِ، فلمْ يَجُزْ أنْ يُقطعَ بالرائحةِ عليها إذا شُوهدَتْ؛ لأنَّ مُشاهدةَ جِسمِها يَنفي عنها ظُنونَ الاشتباهِ، وفي هذا دليلٌ وانفصالٌ، وإذا احتُملَ ذلكَ لم يَجبِ الحَدُّ الذي يُدرأُ بالشبُهاتِ، وحَديثُ عُمرَ حُجةٌ لنا؛ لأنه لم يَحُدَّه بوُجودِ الرائحةِ، ولو وجَبَ ذلكَ لَبادرَ إليه عُمرُ (٣).


(١) صَحِيحُ الإسناد: رواه مالك في «الموطأ» (١٥٣٢)، والنسائي (٥٧٠٨).
(٢) «الاستذكار» (٨/ ٣، ٤)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٠٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٦٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٤٠٠).
(٣) «بدائع الصنائع» (٥/ ١١٣)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ٤٠٩)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥١١)، و «المغني» (٩/ ١٣٨، ١٣٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢١٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>