والوَجهُ الآخَرُ قالَه أبو إِسحاقَ المَروزِيُّ، وأَفتى به أبو إِبراهيمَ المُزنِيُّ: تَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في مَواضعَ، بحَسبِ الحاجةِ الدَّاعِيةِ إليه؛ لأنَّه لو لم يَجزْ لِأهلِ هذا المِصرِ العَظيمِ أن يُصلُّوا إلا في مَوضعٍ واحدٍ، لَطالَ اتِّصالُ الصُّفوفِ، ولَخرَجَ عن حَدِّ المُتعارَفِ، وخفِيَ عليه اتِّباعُ الإمامِ؛ لأنَّ الإمامَ إن كبَّرَ على العادةِ لم يَصلِ التَّكبيرُ إلى آخرِهم إلا بعدَ تَكبيرِه لِرُكنٍ ثَانٍ، فيَلتبِسَ عليهمُ التَّكبيرُ، وتَختلِطَ عليهم الصَّلاةُ، وإن كبَّرَ وانتظَرَ بُلوغَ التَّكبيرِ إلى آخرِهم، طالَ الزَّمانُ وتَفاحَشَ الانتِظارُ، فدَعتِ الضَّرورةُ إلى إِقامتِها في مَواضعَ، فزعَمَ بعضُ البَصريِّينَ أنَّ الجَوينَ غيرُ البَصرةِ، وأنَّها كانَت في الأصلِ دَسكِرةَ، وأُضيفَت إلى البَصرةِ، وإن كانَ ذلك جازَ إقامةُ الجمُعةِ بها، وَجهًا واحدًا، واللهُ أعلَمُ.
مَسألةٌ: قالَ الشافِعيُّ ﵀: وأيُّها جُمِّعَ فيه فبَدأَ بها بعدَ الزَّوالِ فهي الجمُعةُ، وما بعدَها فإنَّما هي ظُهرٌ، يُصلُّونَها أربَعًا؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ ومَن بعدَه صَلوا في مَسجدِه، وحولَ المَدينةِ مَساجدُ لا نَعلمُ أَحدًا منهم جمَّعَ إلا فيه، ولو جازَ في مَسجدَينِ لَجازَ في مَساجدِ العَشائرِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: مَسألةٌ: قالَ: وإذا كانَ البَلدُ كَبيرًا يَحتاجُ إلى جَوامعَ، فصَلاةُ الجمُعةِ في جَميعِها جائِزةٌ.
وجُملتُه أنَّ البَلدَ متى كانَ كَبيرًا يَشقُّ على أهلِه الاجتِماعُ في مَسجدٍ واحدٍ ويَتعذَّرُ ذلك؛ لتَباعُدِ أَقطارِه، أو ضِيقِ مَسجدِه عن أهلِه، كبَغدادَ