للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَسنُ: وَلِّ حارَّها مَنْ تَولَّى قارَّها، فكأنهُ وجَدَ عليه، فقالَ: يا عبدَ اللهِ بنَ جَعفرٍ قُمْ فاجلِدهُ، فجلَدَهُ وعَليٌّ يَعُدُّ حتى بلَغَ أربَعينَ، فقالَ: أَمسِكْ، ثمَّ قالَ: جلَدَ النبيُّ أربَعينَ، وجلَدَ أبو بَكرٍ أربَعينَ، وعُمرُ ثَمانينَ، وكلٌّ سُنةٌ، وهذا أحَبُّ إليَّ» (١).

وهذا حُجةٌ أنَّ النبيَّ إنما جلَدَ أربَعينَ، وكذا أبو بَكرٍ وعليٌّ، وأما زِيادةُ عُمرَ فهي تَعزيراتٌ، والتَّعزيرُ إلى رأيِ الإمامِ إنْ شاءَ فعَلَه وإنْ شاءَ ترَكَه بحَسبِ المَصلحةِ في فِعلِه وتَركِه، فرآهُ عُمرُ ففعَلَه، ولم يَرَهُ النبيُّ ولا أبو بَكرٍ ولا عليٌّ فتَركوهُ، وهكذا يَقولُ الشافِعيُّ أنَّ الزِّيادةَ إلى رأيِ الإمامِ، وأما الأربَعونَ فهي الحَدُّ المُقدَّرُ الذي لا بُدَّ منه، ولو كانَتِ الزيادةُ حَدًّا لم يَتركْها النبيُّ ولا أبو بَكرٍ ولم يَتركْها عليٌّ بعدَ فِعلِ عُمرَ، ولهذا قالَ عليٌّ : «وكُلٌّ سُنةٌ» مَعناهُ: الاقتِصارُ على حَدِّ الخَمرِ سُنةٌ وضَمُّ التَّعزيرِ إليه سُنةٌ.

ومِن القِياسِ: أنه سَببٌ يُوجبٌ الحَدَّ، فوجَبَ أنْ يَختصَّ بعَددٍ لا يُشارِكُه غيرُه كالزِّنا والقَذفِ.

فإنْ قيلَ: فوجَبَ ألا يُقدَّرَ بأربَعينَ كالزنا والقَذفِ.

قيلَ: الحُدودُ مَوضوعةٌ على الاختلافِ في المِقدارِ؛ لاختِلافِها في الأسبابِ، فجازَ لنا اعتبارُ بعضِها ببَعضٍ في التفاضُلِ، ولم يَجُزِ اعتبارُ بعضِها


(١) رواه مسلم (١٧٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>