وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ ﵀: يُحَدُّ شارِبُها قَليلًا أو كَثيرًا؛ لإجماعِ الصَّحابةِ ﵃ على ذلكَ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: يَجبُ الحَدُّ على مَنْ شَربَ قَليلًا مِنْ المُسكِرِ أو كَثيرًا، ولا نَعلمُ بينَهُم خِلافًا في ذلكَ في عَصيرِ العِنبِ غيرِ المَطبوخِ، واختَلفوا في سائرِها، فذهَبَ إمامُنا إلى التَّسويةِ بينَ عصيرِ العِنبِ وكلِّ مُسكِرٍ، وهو قَولُ الحَسنِ وعُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ وقَتادةَ والأوزاعِيِّ ومالِكٍ والشافِعيِّ، وقالَتْ طائفةٌ: لا يُحَدُّ إلا أنْ يَسكرَ، منهُم أبو وائلٍ والنخَعيُّ وكَثيرٌ مِنْ أهلِ الكُوفةِ وأصحابُ الرأيِ، وقالَ أبو ثَورٍ: مَنْ شَربَه مُعتقِدًا تَحريمَه حُدَّ، ومَن شَربَه مُتأوِّلًا فلا حَدَّ عليهِ؛ لأنه مُختلَفٌ فيهِ، فأشبَهَ النكاحَ بلا وليٍّ.
ولنا: ما رُويَ عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ: «مَنْ شَربَ الخَمرَ فاجلِدُوهُ» رَواهُ أبو داودَ وغيرُه، وقد ثبَتَ أنَّ كلَّ مُسكِرٍ خَمرٌ، فيَتناولُ الحَديثُ قَليلَه وكثيرَه، ولأنه شَرابٌ فيه شِدةٌ مُطرِبةٌ، فوجَبَ الحَدُّ بقليلِه كالخَمرِ، والاختِلافُ فيه لا يَمنعُ وُجوبَ الحَدِّ فيها؛ بدَليلِ ما لو اعتَقدَ تَحريمَها، وبهذا فارَقَ النكاحَ بلا وليٍّ ونحوَه مِنْ المُختلَفِ فيه، وقد حَدَّ عُمرُ قُدامةَ بنَ مَظعونٍ وأصحابَه مع اعتِقادِهم حِلَّ ما شَرِبوهُ، والفَرقُ بينَ هذا وبينَ سائرِ المُختلَفِ فيه مِنْ وَجهينِ: