قالَ أبو حَنيفةَ: إنما يَحرمُ عَصيرُ ثَمراتِ النَّخلِ والعَنبِ، قالَ: فسُلافةُ العِنبِ يَحرمُ قَليلُها وكثيرُها، إلا أنْ يُطبخَ حتى يَنقصُ ثُلثاها، وأما نَقيعُ التَّمرِ والزَّبيبِ فقالَ: يَحِلُّ مَطبوخُهما وإنْ مَسَّتْه النارُ شَيئًا قَليلًا، مِنْ غيرِ اعتبارٍ لحَدٍّ كما اعتبَرَ في سُلافةِ العِنبِ، قالَ: والنَّيءُ منه حَرامٌ، قالَ: ولكنه لا يُحَدُّ شارِبُه، هذا كلُّه ما لم يُشرَبْ ويُسكِرْ، فإنْ أسكَرَ فهو حَرامٌ بإجماعِ المُسلمينَ.
واحتَجَّ الجُمهورُ بالقُرآنِ والسُّنةِ، أمَّا القُرآنُ: فهو أنَّ اللهَ تعالى نَبَّهَ على أنَّ عِلةَ تَحريمِ الخَمرِ كونُها تَصدُّ عن ذِكرِ اللهِ وعن الصلاةِ، وهذه العِلةُ مَوجودةٌ في جَميعِ المُسكِراتِ، فوجَبَ طَردُ الحُكمِ في الجَميعِ.
فإنْ قيلَ: إنما يَحصلُ هذا المَعنَى في الإسكارِ، وذلكَ مُجمَعٌ على تَحريمِه.
قُلنا: قد أجمَعُوا على تَحريمِ عَصيرِ العِنبِ وإنْ لم يُسكرْ، وقد عَلَّلَ اللهُ سُبحانَه تَحريمَه كما سبَقَ، فإذا كانَ ما سِواهُ في مَعناهُ وجَبَ طَردُ الحُكمِ في الجَميعِ، ويَكونُ التَّحريمُ للجِنسِ المُسكِرِ، وعُلِّلَ بما يَحصلْ مِنْ الجِنسِ في العادةِ.