للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندَ أبي يُوسفَ ومُحمدٍ: لا يُشترطُ القَذفُ بالزَّبدِ، فإذا اشتَدَّ بحَيثُ صارَ مُسكِرًا صارَ خَمرًا وإنْ لم يَقذِفْ؛ لأنه يُسمَّى خَمرًا بدُونِه، وتَرتَّبَ عليه أحكامُ الخَمرِ، قذَفَ بالزَّبدِ أو لم يَقذِفْ به، لأنَّ الرُّكنَ فيها معنَى الإسكارِ، وذا يَحصلُ بدُونِ القَذفِ بالزَّبدِ؛ لأنَّ اللَّذةَ تَحصلُ بهِ، وهو المُؤثِّرُ في إيقاعِ العَداوةِ والصَدِّ عن الصَّلاةِ.

وجهُ قَولِ أبي حَنيفةَ : أنَّ معنَى الإسكارِ لا يَتكامَلُ إلا بالقَذفِ بالزَّبدِ، فلا يَصيرُ خَمرًا بدُونِه؛ لأنَّ السكونَ أصلٌ في العَصيرِ، وما بَقيَ شَيءٌ مِنْ آثارِه فالحُكمُ له، وأحكامُ الشَّرعِ قَطعيَّةٌ، فلا يُحكَمُ بكونِه خَمرًا مع وُجودِ شيءٍ مِنْ آثارِ العَصيرِ؛ للمُغايَرةِ بينَهُما، ولأنَّ الثابِتَ لا يَزولُ إلا بيَقينٍ، فما بَقيَ شَيءٌ مِنْ آثارِ العَصيرِ لا يُتيقَّنُ بالخَمريَّةِ (١).

وقالَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ: الخَمرُ تُطلَقُ على كُلِّ مُسكِرٍ، سَواءٌ أسْكَرَ قَليلُه أو كَثيرُه، سواءٌ اتُّخذَ مِنْ العِنبِ أو التمرِ أو الحِنطةِ أو الشعيرِ أو غيرِها، فكُلُّ شَرابٍ أسكَرَ كثيرُه فقَليلُه حَرامٌ مِنْ أيِّ شيءٍ كانَ، ويُسمَّى خَمرًا، وحُكمُه حُكمُ عَصيرِ العنبِ في تَحريمِه ووُجوبِ الحَدِّ على شاربِه؛ لقَولِ النبيِّ : «كلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ» (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ١١٢)، و «أحكام القرآن» (٢/ ٥، ١٤٠)، و «الاختيار» (٤/ ١١٨)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٤٧)، و «اللباب» (٢/ ٣٣٩).
(٢) رواه مسلم (٢٠٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>