للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ لم يأخُذِ المالَ ولم يَقتلْ فتَوبتُه الندمُ على ما فعَلَ والعَزمُ على تَركِ مثلِه في المُستقبلِ، وهو أنْ يأتِيَ الإمامَ عن طَوعٍ واختيارٍ ويُظهِرَ التوبةَ عندَه، ويَسقطُ عنه الحَبسُ؛ لأنَّ الحَبسَ للتوبةِ وقد تابَ، فلا مَعنى للحَبسِ (١).

وقالَ الوزيرُ ابنُ هُبيرةَ : واتَّفقُوا على أنَّ مَنْ تابَ منهُم قبلَ القُدرةِ عليه سقَطَ عنه حُقوقُ اللهِ، إلا أنَّ أبا إسحاقَ ذكَرَ في «التَّنبِيه» عن الشافِعيِّ أنَّ في سُقوطِ قَطعِ اليدِ عن قاطعِ الطريقِ قَولانِ: أحَدُهما: يَسقطُ قَطعُ اليدِ عنه كغيرِه مما يَسقطُ عنه، والقولُ الآخرُ: لا يَسقطُ قَطعُ اليدِ عنه خاصَّةً.

واتَّفقوا على أنَّ حُقوقَ الآدميِّينَ مِنْ الأموالِ والأنفُسِ والجِراحِ يُؤخذُ بها المُحارِبونَ، إلى أنْ يُعفَى لهُم عنها (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فإنْ تابوا مِنْ قبلِ أنْ يُقدَرَ عليهم سقَطَتْ عنهم حُدودُ اللهِ تعالَى وأُخِذوا بحُقوقِ الآدميِّينَ مِنْ الأنفُسِ والجِراحِ والأموالِ، إلا أنْ يُعفَى لهم عنها، لا نَعلمُ في هذا خِلافًا بينَ أهلِ العلمِ، وبه قالَ مالكٌ والشافِعيُّ وأصحابُ الرأيِ وأبو ثَورٍ، والأصلُ في هذا قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)[المائدة: ٣٤]، فعَلى هذا يَسقطُ عنهُم تَحتُّمُ القتلِ والصَّلبِ والقَطعِ والنفيِ، ويَبقَى عليهِم القِصاصُ في النَّفسِ والجِراحِ وغَرامةُ المالِ والديَةُ لِما لا قِصاصَ فيه.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٩٦).
(٢) «الإفصاح» (٢/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>