وفرَّقَ مالِكٌ وأصحابُه فقالَ: إنْ كانَ مُوسِرًا أُتبِعَ السارقُ بقيمةِ المَسروقِ، وإنْ كانَ مُعسِرًا لم يُتبَعْ إذا أثرَى، واشتَرطَ مالكٌ دَوامَ اليُسرِ إلى يَومِ القَطعِ فيما حَكى عنهُ ابنُ القاسمِ.
فعُمدةُ مَنْ جمَعَ بينَ الأمرَينِ أنه اجتَمعَ في السَّرقةِ حَقَّانِ: حَقٌّ للهِ وحَقٌّ للآدَميِّ، فاقتَضى كلُّ حَقٍّ مُوجَبَه، وأيضًا فإنهُم لمَّا أجمَعوا على أخذِه منه إذا وُجدَ بعَينِه لَزمَ إذا لم يُوجَدْ بعَينِه عندَه أنْ يكونَ في ضِمانِه؛ قياسًا على سائرِ الأموالِ الواجبةِ.
وعُمدةُ الكُوفيِّينَ حَديثُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«لا يَغرَمُ السَّارقُ إذا أُقِيمَ عليهِ الحَدُّ»، وهذا الحَديثُ مُضعَّفٌ عندَ أهلِ الحَديثِ، قالَ أبو عُمرَ: لأنه عِندَهم مَقطوعٌ، قالَ: وقد وصَلَه بعضُهم، وخرَّجَه النَّسائيُّ.
والكُوفيُّونَ يَقولونَ: إنَّ اجتِماعَ حَقَّينِ في حَقٍّ واحدٍ مُخالِفٌ للأصولِ، ويَقولونَ: إنَّ القَطعَ هو بَدلٌ مِنْ الغُرمِ، ومِن هُنا يَرَونَ إذا سرَقَ شَيئًا ما فقُطعَ فيه ثم سَرقَه ثانيًا أنه لا يُقطعُ فيه.
وأمَّا تَفرقةُ مالكٍ فاستِحسانٌ على غيرِ قِياسٍ (١).