للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلِأنهُ لو ضَمَّنَه المالكُ لَكانَ له أنْ يَرجعَ بالضَّمانِ على السارقِ، فيَصيرُ كأنَّ المالِكَ ضَمَّنَ السارقَ، وقَطعُه يَنفي الضَّمانَ عنه.

وإنْ كانَ استَهلكَه القابضُ كانَ للمالِكِ أنْ يُضمِّنَه القيمةَ؛ لأنه قبَضَ مالَه بغيرِ إذنِه وهلَكَ في يَدِه، وللمُشتَري أنْ يَرجعَ على السارقِ بالثمنِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ بالثَّمنِ ليسَ بتَضمينٍ.

ولو اغتَصبَه إنسانٌ مِنْ السارقِ فهلَكَ في يَدِه بعدَ القَطعِ فلا ضَمانَ للسارقِ ولا للمُسروقِ منهُ، أما السارقُ فلِأنهُ ليسَ بمالكٍ، وأما المالكُ فلِأنَّ العِصمةَ الثابتةَ له حقًّا قد بطَلَتْ.

وهذا كُلُّه بعدَ القَطعِ، أما إذا قالَ المالكُ قبلَ القَطعِ: «أنا أضمِّنُه» لم يُقطعْ، فإنه يَتضمَّنُ رُجوعَه عن دَعوَى السرقةِ إلى دَعوى المالِ، فالمالِكٌ مُخيَّرٌ قبلَ القَطعِ، فإنْ شاءَ اختارَ القطعَ ولم يُغرِّمْه المالَ، وإنْ شاءَ أغرَمَه المالَ ولا قطْعَ عليهِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه إنْ كانَ مُوسِرًا وجَبَ عليهِ القَطعُ وغُرِّمَ قيمةَ المَسروقِ، وإنْ كانَ مُعسِرًا لم يُتبَعْ به دَينًا ولم يَكنْ عليه شيءٌ ويُقطَعُ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ المَسروقَ إذا تَلفَ عندَ السارقِ أو بِيعَ فإنه يَغرمُها السارقُ ويُقطَعُ، سواءٌ تقدَّمَ الغُرمُ على القَطعِ أو تأخَّرَ عنه،


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٨٤، ٨٥)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٤١٣)، و «الاختيار» (٤/ ١٣٤).
(٢) «التمهيد» (١٤/ ٣٨٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣٣٨، ٣٣٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>