للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَديهِ يُفوِّتُ مَنفعةَ الجِنسِ، فلا تَبقَى له يَدٌ يأكلُ بها ولا يَتوضأُ ولا يَستطيبُ ولا يَدفعُ عن نفسِه، فيَصيرُ كالهالِكِ، فكانَ قَطعُ الرِّجلِ الذي لا يَشتملُ على هذه المَفسدةِ أَولى.

وأمَّا الآيةُ فالمُرادُ بها قَطعُ يَدِ كلِّ واحِدٍ منهُما؛ بدَليلِ أنه لا تُقطَعُ اليَدانِ في المَرةِ الأُولى، وفي قراءةِ عبدِ اللهِ: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا﴾، وإنما ذُكرَ بلَفظِ الجَمعِ لأنَّ المُثنَّى إذا أُضيفَ إلى المُثنَّى ذُكرَ بلَفظِ الجَمعِ، كقَولِه تعالَى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤].

إذا ثبَتَ هذا فإنه تُقطَعُ رِجلُه اليُسرَى؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣]، ولأنَّ قطْعَ اليُسرَى أرفَقُ به؛ لأنه يُمكِنُه المَشيُ على خَشبةٍ، ولو قُطِعتْ رِجلُه اليُمنَى لم يُمكِنْه المَشيُ بحالٍ.

وتُقطَعُ الرِّجلُ مِنْ مفصلِ الكَعبِ في قَولِ أكثرِ أهلِ العِلمِ، وفعَلَ ذلكَ عُمرُ ، و «كانَ عَليٌّ يَقطعُ مِنْ نِصفِ القَدمِ مِنْ مَعقِدِ الشِّراكِ ويَدعُ له عَقِبًا يَمشِي عليها»، وهو قَولُ أبي ثورٍ.

ولنَا: إنه أحَدُ العُضوَينِ المَقطوعَينِ في السرقةِ، فيُقطَعُ مِنْ المفصلِ كاليَدِ، وإذا قُطعَ حُسِمَ، وهو أنْ يُغلَى الزَّيتُ فإذا قُطعَ غُمِسَ عُضوُه في الزَّيتِ؛ لتَفسُدَ أفواهُ العُروقِ لئلَّا يَنزفَ الدَّمُ فيَموتَ.

وقد رُويَ أنَّ النبيَّ أُتِيَ بسارقٍ سَرقَ شَملةً فقالَ: «اقطَعُوه واحسِمُوهُ»، وهو حَديثٌ فيه مَقالٌ قالُه ابنُ المُنذِرِ، وممَّن استَحبَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>