للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخالِفٌ، ولأنَّ هذا مالٌ يَتموَّلُ في العادةِ ويُرغَبُ فيهِ، فيُقطَعُ سارقُه إذا اجتمَعَتِ الشُّروطِ كالمُجفَّفِ، ولأنَّ ما وجَبَ القَطعُ في مَعمولِه وجَبَ فيه قبلَ العَملِ كالذَّهبِ والفضَّةِ.

ومِن القياسِ: أنه نَوعُ مالٍ، فوجَبَ أنْ يَستحِقَّ القَطعَ بسَرقتِه كسائرِ الأموالِ، ولأنَّ ما قُطعَ في يابِسهِ قُطعَ في رَطبِه كالغَزِّ والثِّيابِ، ولأنَّ الطعامَ الرَّطبَ ألَذُّ وأشهَى والنَّفوسَ إلى تَناولِه أدعَى، فكانَ بالقَطعِ أَولى.

فأمَّا قولُه: «لا قطْعَ في ثَمرٍ ولا كَثَرٍ» فلأنَّه غيرُ مُحرَّزٍ؛ لأنَّ ثِمارَهم كانتْ بارِزةً، ولذلكَ قالَ: «فإذا آواهُ الجَرِينُ ففيهِ القَطعُ».

وأما قَولُهم: «إنه مُعرَّضٌ للتلَفِ» ففيهِ جَوابانِ:

أحَدُهما: أنه مُعرَّضٌ للاستِعمالِ دونَ البَذلِ كما يُستعملُ الطَّعامُ اليابسُ، وليسَ قِلةُ بَقائِه مُوجِبًا لسُقوطِ القَطعِ فيه، كالشَّاةِ المَريضةِ يَجبُ القَطعُ فيها وإنْ لم يَطُلْ بَقاؤُها.

والثاني: أنه قِياسٌ جُمِعَ فيه بينَ المُحرزِ وغيرِ المُحرزِ، وهُمَا مُفترقانِ في وُجوبِ القَطعِ؛ لأنَّ الحِرزَ شَرطٌ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : العُلماءُ اتَّفقوا على أنَّ كلَّ مُتملَّكٍ غيرَ ناطقٍ يَجوزُ بَيعُه وأخذُ العِوضِ منه فإنه يَجبُ في سَرقتِه القَطعُ، ما عَدا الأشياءَ الرَّطبةَ المأكولةَ والأشياءَ التي أصلُها مُباحةٌ، فإنهم اختَلفُوا في ذلكَ، فذهَبَ الجُمهورُ إلى أنَّ القَطعَ في كلِّ مُتموَّلٍ يَجوزُ بَيعُه وأخذُ العِوضِ


(١) «التمهيد» (٢٣/ ٣٠٩)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢٧٤، ٢٧٥)، و «المغني» (٩/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>