للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : أما ما يَرجعُ إلى السارقِ فأهلِيةُ وُجوبِ القَطعِ، وهي العَقلُ والبُلوغُ، فلا يُقطَعُ الصبيُّ والمَجنونُ؛ لمَا رُويَ عن النبيِّ أنه قالَ: «رُفعَ القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يَحتلِمَ، وعن المَجنونِ حتَّى يَفيقَ، وعن النائمِ حتى يَستيقِظَ»، أخبَرَ أنَّ القَلمَ مَرفوعٌ عنهُما، وفي إيجابِ القَطعِ إجراءُ القَلمِ عليهِما، وهذا خِلافُ النصِّ، ولأنَّ القَطعَ عُقوبةٌ فيَستدعِي جِنايةً، وفِعلُهما لا يُوصَفُ بالجِناياتِ، ولهذا لم يَجبْ عليهِما سائرُ الحُدودِ، كذا هذا.

ويَضمنانِ السَّرقةَ؛ لأنَّ الجِنايةَ ليسَتْ بشَرطٍ لوُجوبِ ضَمانِ المالِ.

وإنْ كانَ السارقُ يُجَنُّ مدَّةً ويَفيقُ أخرى فإنْ سرَقَ في حالِ جُنونِه لم يُقطَعْ، وإنْ سرَقَ في حالِ الإفاقةِ يُقطَعُ.

ولو سرَقَ جَماعةٌ فيهم صبيٌّ أو مَجنونٌ يُدرأُ عنهم القَطعُ في قولِ أبي حَنيفةَ وزُفرَ -رحمهما الله-.

وقالَ أبو يُوسفَ : إنْ كانَ الصبيُّ والمَجنونُ هو الذي تَولَّى إخراجَ المَتاعِ دُرئَ عنهم جَميعًا، وإنْ كانَ وَلِيَه غَيرُهما قُطِعوا جَميعًا إلا الصبيَّ والمَجنونَ.

وجهُ قولِه أنَّ الإخراجَ مِنْ الحِرزِ هو الأصلُ في السرقةِ والإعانةَ كالتابعِ، فإذا وَلِيَه الصبيُّ أو المَجنونُ فقدْ أتَى بالأصلِ، فإذا لم يَجبِ القطعُ بالأصلِ كيفَ يَجبُ بالتابعِ؟ فإذا وَلِيَه بالغٌ عاقلٌ فقدْ حصَلَ الأصلُ منه، فسُقوطُه عن التَّبَعِ لا يُوجِبُ سُقوطَه عن الأصلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>