وقالَ الحَنابلةُ: ومَن قذَفَ جَماعةً لا يُتصوَّرُ الزِّنى مِنْ جَميعِها كأهلِ البلدةِ الكبيرةِ فلا حدَّ عليه؛ لأنه لا عارَ على المَقذوفِ بذلكَ؛ للقَطعِ بكَذبِ القاذفِ، وإنْ قذفَ جَماعةً يُمكِنُ زِناهُم بكَلماتٍ فعليهِ لكلِّ واحدٍ حدٌّ، وإنْ قذَفَهم بكَلمةٍ واحدةٍ ففيهِ ثلاثُ رِواياتٍ:
إحداهُنَّ: عليه حَدٌّ واحدٌ؛ لأنَّ كلمةَ القذفِ واحدةٌ، فلمْ يَجبْ أكثرُ مِنْ حدٍّ واحدٍ كما لو كانَ المَقذوفُ واحدًا، ولأنه بالحدِّ الواحدِ يَظهرُ كذبُه ويَزولُ عارُ القذفِ عن جَميعِهم، فعلَى هذا إنْ طلَبَه الجميعُ أُقيمَ لهم، وإنْ طلَبَه واحدٌ أُقيمَ له أيضًا ولا مُطالَبةَ لغيرِه، وإنْ أسقَطَ أحَدُهم حقَّه لم يَسقطْ حَقُّ غيرِه؛ لأنه ثابتٌ لهم على سبيلِ البدَلِ، فأشبَهَ وِلايةَ النكاحِ.
والثَّانيةُ: عليه لكُلِّ واحدٍ حدٌّ؛ لأنه قذَفَه، فلَزمَه الحَدُّ له كما لو قذَفَه بكلمةٍ مُفردةٍ.
والثالثةُ: إنْ طَلبوهُ جُملةً فحَدٌّ واحدٌ؛ لأنه يَقعُ استيفاؤُه لجَميعِهم، وإنْ طَلبوهُ مُتفرقًا أُقيمَ لكُلِّ مُطالِبٍ مرةً؛ لأنَّ استيفاءَ المُطالِبِ الأولِ له خاصةً، فلم يَسقطْ به حَقُّ الباقينَ، وإنْ قالَ لامرأةٍ: «زنَى بكِ فُلانٌ» فهيَ كالتي قبْلَها؛ لأنه قذَفَها بكَلمةٍ واحدةٍ، ويَحتملُ ألا يَجبَ إلا حدٌّ واحدٌ وَجهًا واحدًا؛ لأنَّ القذفَ لهُمَا بزنًى واحدٍ يَسقطُ حدُّه ببيِّنةٍ واحدةٍ، ولعانٍ واحدٍ إنْ كانَتِ المرأةُ زوْجَتُه (١).
(١) «الإفصاح» (٢/ ١٩٤، ١٩٤)، و «المغني» (٩/ ٨٨، ٨٩)، و «الكافي» (٤/ ٢٢٣، ٢٢٤)، و «الفروع» (٦/ ٩٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٤٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute