فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يَلزمُه حَدٌّ واحدٌ فقط لهم جَميعًا أو لمَن طلَبَ منهُم، سواءٌ قذَفَهم بكَلمةٍ واحِدةٍ بأنْ قالَ:«يا أيُّها الزناةُ» عندَ المَذاهبِ الثلاثةِ، أو كَلِماتٍ مُتفرِّقةٍ بأنْ قالَ:«يا زَيدُ أنتَ زانٍ ويا عَمرُو أنتَ زانٍ ويا خالِدُ أنتَ زانٍ» لا يُقامُ عليه إلا حَدٌّ واحدٌ عندَ الحَنفيةِ والمالِكيةِ والحنابلة في قولٍ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤]، ومَعلومٌ أنَّ مُرادَه جَلدُ كلِّ واحِدٍ مِنْ القاذفِينَ ثَمانينَ جَلدةً، فكانَ تَقديرُ الآيةِ:(ومَن رَمَى مُحصَنًا فعَليهِ ثَمانونَ جَلدةً)، وهذا يَقتضِي أنَّ قاذِفَ جَماعةٍ مِنْ المُحصَناتِ لا يُجلَدُ أكثرَ مِنْ ثمانينَ، ومَن أوجَبَ على قاذفِ جَماعةِ المُحصَناتِ أكثرَ مِنْ حدٍّ واحدٍ فهو مُخالِفٌ لحُكمِ الآيةِ.
ولأنه لم يُفرِّقْ بينَ قَذفِ واحدٍ أو جَماعةٍ، ولم يُفرِّقْ بينَ اللفظِ والألفاظِ.
ولأنَّ الحَدَّ إنما وجَبَ بإدخالِ المَعرَّةِ على المَقذوفِ بقَذفِه، وبحَدٍّ واحدٍ يَظهرُ كَذبُ هذا القاذفِ وتَزولُ المَعرَّةُ، فوجَبَ أنْ يُكتفَى به، بخلافِ ما لو قذَفَ كلَّ واحدٍ قَذفًا مُفردًا؛ فإنَّ كَذِبَه في قذفٍ لا يَلزمُ منه كذبُه في آخَرَ، ولا تَزولُ المَعرَّةُ عن أحدِ المَقذوفِينَ بحَدِّه للآخَرِ (١).
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٣٢١، ٣٢٢)، و «أحكام القرآن» (٥/ ١١٣، ١١٤)، والعناية شرح الهداية (٧/ ٣٠١)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٥٧)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٢٦٤) رقم (١٦٠٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣٣١)، و «القوانين الفقهية» ص (٢٣٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٢٤، ٣٢٥)، و «الإفصاح» (٢/ ١٩٤، ١٩٤)، و «المغني» (٩/ ٨٨، ٨٩)، و «الفروع» (٦/ ٩٨).