للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو غَزَا الخَليفةُ أو أميرٌ الشامَ ففعَلَ رَجلٌ مِنْ العَسكرِ شَيئًا مِنْ ذلكَ أقامَ عليهِ الحَدَّ واقتَصَّ منهُ في العَمدِ، وضمَّنَه الديَةَ في مالِه في الخَطأِ؛ لأنَّ إقامةَ الحُدودِ إلى الإمامِ، وتَمكُّنُه الإقامةَ بما له مِنْ القوَّةِ والشَّوكةِ باجتِماعِ الجُيوشِ وانقيادِها له، فكانَ لعَسكرِه حُكمُ دارِ الإسلامِ، ولو شَذَّ رَجلٌ مِنْ العَسكرِ ففعَلَ شيئًا مِنْ ذلكَ دُرئَ عنه الحَدُّ والقِصاصُ؛ لاقتِصارِ ولايةِ الإمامِ على المعسكَرِ، وعلى هذا يَخرجُ الحَربيُّ إذا أسلَمَ في دارِ الحربِ، ولم يُهاجِرْ إلينا فقتَلَه مُسلمٌ عَمدًا أو خَطأً؛ لأنه لا قِصاصَ عليه عندَنا على ما ذكَرْنا، وهذا مَبنيٌّ على أنَّ التقوُّمَ عندَنا يَثبتُ بدارِ الإسلامِ؛ لأنَّ التقوُّمَ بالعزَّةِ، ولا عِزةَ إلا بمَنعةِ المُسلمينَ (١).

وقالَ الحَنابلةُ أيضًا: تَجبُ الحُدودُ والقِصاصُ، ولكنها لا تُقامُ في دارِ الحَربِ، وتُقامُ عليه بعدَ رُجوعِه مِنْ دارِ الحَربِ.

واستَدلُّوا بما رواهُ سَعيدٌ في سُننِه (٢) «أنَّ عُمرَ كتَبَ إلى الناسِ أنْ لا يَجلدَنَّ أميرُ جَيشٍ ولا سَريةٍ رَجلًا مِنْ المُسلمينَ حَدًّا وهو غازٍ حتَّى يَقطعَ الدَّربَ قافِلًا؛ لئلَّا تَحملَه حَميةُ الشيطانِ فيَلحقَ بالكفَّارِ».

قالَ ابنُ قُدامةَ : فأما إذا رجَعَ فإنه يُقامُ الحَدُّ عليه؛ لعُمومِ الآياتِ والأخبارِ، وإنما أخِّرَ لعارِضٍ كما يُؤخَّرُ لمَرضٍ أو شُغلٍ، فإذا زالَ العارضُ أُقيمَ الحدُّ؛ لوُجودِ مُقتضيهِ وانتفاءِ مُعارِضِه، ولهذا قالَ عُمرُ: «حتَّى يَقطعَ الدَّربَ قافِلًا».


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٣١، ١٣٢).
(٢) «سنن سعيد بن منصور» (٢٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>