للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ شَهدَ ثلاثةُ رجالٍ وامرَأتانِ حُدَّ الجَميعُ؛ لأنَّ شَهادةَ النِّساءِ في هذا البابِ كعَدمِها، وبهذا قالَ الثَّوريُّ وأصحابُ الرأيِ، وهذا يُقوِّي روايةَ إيجابِ الحَدِّ على الأوَّلِينَ ويُنبِّهُ على إيجابِ الحدِّ فيما إذا كانوا عُميانًا أو أحَدُهم؛ لأنَّ المَرأتينِ يُحتمَلُ صِدقُهما وهُمَا مِنْ أهلِ الشَّهادةِ في الجُملةِ، والأعمَى كاذِبٌ يَقينًا وليسَ مِنْ أهلِ الشهادةِ على الأفعالِ، فوُجوبُ الحَدِّ عليهِم وعلى مَنْ معهُم أَولى (١).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : فإنْ شَهدَ على الزنا أقَلُّ مِنْ أربعةٍ لم تُقبَلْ شَهادتُهم؛ لنُقصانِ العَددِ المَشروطِ، وهل يُحَدُّونَ حَدَّ القَذفِ؟ قالَ أصحابُنا: يُحَدونَ.

وقالَ الشافِعيُّ : إذا جاؤُوا مَجيءَ الشُّهودِ لم يُحَدُّوا.

وعلى هذا الخِلافِ إذا شَهدَ ثلاثةٌ وقالَ الرابعُ: «رَأيْتُهما في لِحافٍ واحدٍ» ولم يَزِدْ عليه أنه يُحَدُّ الثلاثةُ عندَنا، ولا حَدَّ على الرابعِ؛ لأنه لم يَقذفْ، إلا إذا كانَ قالَ في الابتداءِ: «أشهَدُ أنه قد زَنَى» ثم فسَّرَ الزنا بما ذكَرَ، فحِينئذٍ يُحَدُّ.

وجهُ قولِ الشافِعيِّ : أنهم إذا جاؤُوا مَجيءَ الشُّهودِ كانَ قَصدُهم إقامةَ الشَّهادةِ حِسبةً للهِ تعالَى لا القذفَ، فلمْ يكنْ جِنايةً فلمْ يكنْ قذفًا.

ولنَا: ما رُويَ «أنَّ ثلاثةً شَهدُوا على مُغيرةَ بالزِّنا، فقامَ الرابعُ وقالَ: رأيْتُ أقدامًا بادِيةً ونفَسًا عاليًا وأمرًا مُنكَرًا ولا أعلَمْ ما وراءَ ذلكَ، فقال


(١) «المغني» (٩/ ٦٦، ٦٨)، ويُنظَر: «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣١١، ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>