للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلنَا: لم يُخالِفُوا في وُجوبِ الحدِّ عليهِ، إنَّما خالَفُوهم في صحَّةِ ما شَهدُوا بهِ، ولأنه رامٍ بالزِّنا لم يَأتِ بأربَعةِ شُهداءَ، فيَجبُ عليه الحدُّ كما لو لم يَأتِ بأحَدٍ.

فصلٌ: وإنْ كَملُوا أربعةً غيرَ مَرضِيِّينَ أو واحدٌ منهُم كالعبيدِ والفُسَّاقِ والعُميانِ ففِيهم ثلاثُ رِواياتٍ:

إحداهُنَّ: عليهِم الحدُّ، وهو قَولُ مالكٍ، قالَ القاضي: هذا الصَّحيحُ؛ لأنها شَهادةٌ لم تَكملْ، فوجَبَ الحدُّ على الشُّهودِ كما لو كانُوا ثلاثةً.

والثانيةُ: لا حَدَّ عليهِم، وهو قَولُ الحسَنِ والشَّعبيِّ وأبي حنيفةَ ومُحمدٍ؛ لأنَّ هَؤلاءِ قد جاؤُوا بأربعةِ شُهداءَ، فدَخلُوا في عُمومِ الآيةِ؛ لأنَّ عدَدَهم قد كَملَ، ورَدُّ الشهادةِ لمعنًى غيرِ تَفريطِهم، فأشبَهَ ما لو شَهدَ أربعةٌ مَستورُونَ ولم تَثبتْ عَدالتُهم ولا فِسقُهم.

الثالثةُ: إنْ كانوا عُميانًا أو بَعضُهم جُلِدُوا، وإنْ كانوا عَبيدًا أو فُسَّاقًا فلا حَدَّ عليهم، وهو قولُ الثَّوريِّ وإسحاقَ؛ لأنَّ العُميانَ مَعلومٌ كَذبُهم؛ لأنهُم شَهدُوا بما لم يَرَوهُ يقينًا، والآخَرونَ يَجوزُ صِدقُهم وقد كَملَ عدَدُهم، فأشبَهُوا مُستورِي الحالِ.

وقالَ أصحابُ الشافِعيِّ: إنْ كانَ رَدُّ الشهادةِ لمعنًى ظاهِرٍ كالعمَى والرِّقِّ والفِسقِ الظاهرِ فَفيهِم قَولانِ، وإنْ كانَ لمعنًى خَفيٍّ فلا حَدَّ عليهِم؛ لأنَّ ما يَخفَى يَخفَى على الشُّهودِ، فلا يكونُ ذلكَ تَفريطًا منهُم، بخلافِ ما يَظهرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>