للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَن أحمَدَ رِوايةٌ أخرَى إذا عَلِمَ المأمومُونَ بحدَثِ الإمامِ فإنهُم يَبنُونَ على صَلاتهِم (١).

وقالَ ابنُ عَبدِ البرِّ : واختَلفَ مالِكٌ والشافِعيُّ والمَسألةُ بحالِها في الإمامِ يَتمادَى في صَلاتِه ذاكِرًا لِجَنابَتِه، أو ذَاكِرًا أنَّه على غيرِ وُضوءٍ، أو مُبتَدِئًا صَلاتَه كذلك، وهو مع ذلك مَعروفٌ بالإسلامِ، فقالَ مالِكٌ وأصحابُه: إذا علِم الإمامُ بأنَّه على غيرِ طَهارةٍ وتَمادَى في صَلاتِه عامِدًا، بطَلت صَلاةُ مَنْ خلفَه؛ لأنَّه أفسَدَ عليهم.

وقالَ الشافِعيُّ: صَلاةُ القَومِ جائِزةٌ تَامَّةٌ، ولا إعادةَ عليهم؛ لأنَّهم لم يُكلَّفُوا عِلمَ ما غابَ عنهم، وقد صَلوا خلفَ رَجلٍ مُسلِمٍ في عِلمِهم، وبهذا قالَ جُمهورُ فُقهاءِ الأمصارِ وجُمهورُ أهلِ الحَديثِ، وإليه ذَهب ابنُ نافِعٍ صاحِبُ مالِكٍ.

ومِن حُجَّةِ مَنْ قالَ بهذا القولِ أنَّه لا فَرقَ بينَ عَمدِ الإمامِ ونِسيانِه في ذلك؛ لأنَّهم لم يُكلَّفُوا عِلمَ الغَيبِ في حالِه، فحالُهم في ذلك واحدةٌ، وإنَّما تفسُدُ صَلاتُهم إذا عَلِموا بأنَّ إمامَهم على غيرِ طَهارةٍ، فتَمادَوا خلفَه، فيَكونونَ حينَئذٍ المُفسِدِينَ على أنفُسِهم، وأمَّا هو فغيرُ مُفسِدٍ عليهم بما لا يَظهرُ مِنْ حالِه إليهم، لكنَّ حالَه في نَفسِه تَختلِفُ، فيَأثَمُ في عَمدِه إن تَمادَى، ولا إثم عليه إن لم يَعلَم ذلك وسَهَا عنه (٢).


(١) «المغني» (٢/ ٢٩٤).
(٢) «التمهيد» (١/ ١٨٣)، و «الاستذكار» (١/ ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>