للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ التَّغريبَ فعَلَه الخُلفاءُ الراشِدونَ، ولا نَعرفُ لهُم في الصحابةِ مُخالِفًا، فكانَ إجماعًا، ولأنَّ الخبَرَ يَدلُّ على عُقوبتَينِ في حقِّ الثيِّبِ، وكذلكَ في حَقِّ البِكرِ، وما رَوَوهُ عن عليٍّ لا يَثبتُ؛ لضَعفِ رُواتِه وإرسالِه، وقولُ عُمرَ: «لا أُغرِّبُ بعدَه مُسلمًا» فيَحتملُ أنه أرادَ تَغريبَه في الخَمرِ الذي أصابَتِ الفِتنةُ رَبيعةَ فيه (١).

والنفيُ عندَ المالِكيةِ سَنةٌ يُسجَنُ في البلدِ التي غُرِّبَ إليها، ولا بُدَّ مِنْ سَجنِه، ومَحلُّ تَغريبِ الحُرِّ الذَّكرِ إذا كانَ مُتوطِّنًا في البلدِ التي زَنَى فيها، وأما الغَريبُ الذي زَنَى بفَورِ نُزولِه ببلدٍ فإنه يُجلَدُ ويُسجَنُ بها؛ لأنَّ سجْنَه في المَكانِ الذي زَنَى فيه تَغريبٌ له (٢).

وقالَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ: يُغرَّبُ مَسافةَ قصرٍ على الصَّحيحِ؛ لأنَّ ما دونَ ذلكَ في حُكمِ الحضَرِ، ولا يُحبَسُ المُغرَّبُ في البلدِ الذي نُفيَ إليه؛ لعَدمِ وُرودِه، وإذا زَنَى الغَريبُ غُرِّبَ إلى بلدٍ غيرِ وَطنِه، وإنْ زَنَى في البلدِ الذي غُرِّبَ إليه غُرِّبَ منه إلى غيرِ البلدِ الذي غُرِّبَ منه؛ لأنَّ الأمرَ بالتَّغريبِ يَتناولُه حيثُ كانَ، ولأنه قد أَنِسَ بالبلدِ الذي سكَنَه، فيُبعَدُ عنه (٣).


(١) «المغني» (٩/ ٤٥).
(٢) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣١٥)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٣٢).
(٣) «روضة الطالبين» (٦/ ٥١٥، ٥١٧)، و «مغني المحتاج» (٤٤٢، ٤٤٣)، و «المغني» (٩/ ٤٦)، و «كشاف القناع» (٦/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>