للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو تَأويلُ ما رُويَ مِنْ التَّغريبِ، فعنِ ابنِ عُمرَ : «أنَّ النبيَّ ضرَبَ وغَرَّبَ، وأنَّ أبا بكرٍ ضرَبَ وغرَّبَ، وأنَّ عُمرَ ضرَبَ وغرَّبَ» (١)، ولأنه لو كانَ حَدًّا لَاشتُهرَ بينَ الصَّحابةِ كسَائرِ الحُدودِ، ولوِ اشتُهرَ لَمَا اختَلفُوا فيه، وقدِ اختَلفُوا، فدَلَّ على أنه ليسَ بحَدٍّ.

وأمَّا قَولُه : «البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ» (٢) فالآيةُ مُتأخِّرةٌ عنهُ فنَسخَتْه، بَيانُه أنَّ الجَلدَ في الأصلِ كانَ الإيذاءَ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: ١٦]، ثمَّ نُسخَ بالحَبسِ بقولِه تعالَى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ [النساء: ١٥] إلى قولِه: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥]، ثمَّ قالَ : «خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي، قد جعَلَ اللهُ لهُنَّ سَبيلًا، البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ ونَفيُ سَنةٍ، والثيِّبُ بالثَّيبِ جَلدُ مِائةٍ والرَّجمُ» (٣)، فكانَ بَيانًا للسَّبيلِ المَوعودِ في الآيةِ، وذلكَ قبلَ نُزولِ آيةِ الجَلدِ، فكانَتْ ناسِخةً للكُلِّ، أو نَقولُ: هو حَديثُ آحادٍ، فلا يُزادُ به على الكِتابِ؛ لِمَا بيَّنَّا (٤).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ وأكثَرُ العلماءِ إلى أنه يَجبُ مع الجَلدِ تَغريبُ عامٍ؛ للأحادِيثِ الكثيرةِ الثابِتةِ عن النبيِّ وعن خُلَفائِه الراشدِينَ في النَّفيِ والتَّغريبِ مع الجَلدِ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الترمذي (١٤٣٨).
(٢) رواه مسلم (١٦٩٠).
(٣) رواه مسلم (١٦٩٠).
(٤) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٩)، و «الاختيار» (٤/ ١٠٢، ١٠٣)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٢٤٢، ٢٤٤)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٣٤، ٣٣٥)، و «اللباب» (٢/ ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>