للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما: أنه ﷿ أمَرَ بجَلدِ الزانيَةِ والزاني ولم يَذكُرِ التَّغريبَ، فمَن أوجَبَه فقدْ زادَ على كِتابِ اللهِ ﷿، والزيادةُ عليهِ نَسخٌ، ولا يَجوزُ نَسخُ النصِّ بخبَرِ الواحدِ.

والثَّاني: أنه جعَلَ الجَلدَ جزاءً، والجَزاءُ اسمٌ لِمَا تقَعُ به الكِفايةُ، مأخوذٌ مِنْ الاجتِزاءِ وهو الاكتِفاءُ، فلو أوجَبْنا التغرِيبَ لا تقَعُ الكِفايةُ بالجَلدِ، وهذا خِلافُ النصِّ.

ولأنَّ الحُدودَ مَعلومةُ المَقاديرِ، وليسَ للنَّفيِ مِقدارٌ في مَسافةِ البُلدانِ، أو لأنه ذكَرَه بحَرفِ الفاءِ وهو الجَزاءُ، فلا يُزادُ عليهِ إلا بدَليلٍ يُساوِيهِ أوْ يَترجَّحُ عليه؛ إذ الزِّيادةُ على النصِّ نَسخٌ.

ولأنَّ النَّفيَ يَفتحُ عليها بابَ الزِّنا؛ لقِلَّةِ استِحيائِها مِنْ عَشيرتِها، وفيهِ قَطعُ المادَّةِ عنها، فرُبَّما اتَّخذَتْ ذلك مَكسَبًا، وفيهِ مِنْ الفسادِ ما لا يَخفَى.

ولأنه ما دامَ في بَلدِه يَمتنعُ عن العَشائرِ والمَعارفِ حَياءً مِنهم، وبالتَّغريبِ يَزولُ هذا المعنَى، فيَعرَى الدَّاعي عن المَوانعِ، فيُقدِمُ عليه، والزِّنا قَبيحٌ، فما أفضَى إليه مِثلُه.

وفعلُ الصَّحابةِ مَحمولٌ على أنهُم رَأَوا ذلك مَصلحةً على طَريقِ التعزيرِ، ألَا يُرَى أنه رُويَ عن سيِّدِنا عُمرَ «أنه نفَى رَجلًا فلَحِقَ بالرُّومِ، فقالَ: لا أَنفِي بعدَها أبدًا».

وعن سيِّدِنا عليٍّ أنه قالَ: «كفَى بالنَّفيِ فِتنةً»، فدَلَّ أنَّ فِعلَهم كانَ على طريقِ التعزيرِ، ونحنُ به نَقولُ إنَّ للإمامِ أنْ يَنفيَ أو يَحبسَ إنْ رأَى المَصلحةَ في التغريبِ أو الحَبسِ، ويكونُ النَّفيُ أو الحَبسُ تَعزيرًا لا حَدًّا،

<<  <  ج: ص:  >  >>