للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ: فأما ساحِرُ أهلِ الكِتابِ فلا يُقتلُ لسِحرِه إلا أنْ يَقتلَ به وهو مما يُقتلُ به غالبًا، فيُقتلُ قِصاصًا.

وقالَ أبو حَنيفةَ: يُقتلُ؛ لعُمومِ ما تَقدَّمَ مِنْ الأخبارِ، ولأنه جِنايةٌ أوجبَتْ قتْلَ المُسلمِ، فأوجَبَتْ قتْلَ الذميِّ كالقتلِ.

ولنا: إنَّ لَبيدَ بنَ الأعصَمِ سحَرَ النبيَّ فلمْ يَقتلْه؛ ولأنَّ الشِّركَ أعظَمُ مِنْ سِحرِه ولا يُقتلُ به، والأخبارُ ورَدَتْ في ساحرِ المُسلمينِ؛ لأنه يَكفرُ بسِحرِه، وهذا كافرٌ أصليٌّ، وقياسُهم يَنتقضُ باعتِقادِ الكُفرِ والمُتكلمِ به، ويَنتقضُ بالزنا مِنْ المُحصَنِ؛ فإنه لا يُقتلُ به الذِّميُّ عندَهم ويُقتلُ به المُسلمُ، واللهُ أعلَمُ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ الساحِرَ لا يَكونُ كافرًا بالسحرِ، ولا يَجبُ به قتلُه، إلا أنْ يكونَ ما يَسحرُ به كُفرًا، فيَصيرُ باعتقادِ الكُفرِ كافِرًا يَجبُ قَتلُه بالكُفرِ لا بالسِّحرِ.

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : فعَملُ السِّحرِ حَرامٌ، وهو مِنْ الكَبائرِ بالإجماعِ، وقد سبَقَ في كِتابِ الأيمانِ أنَّ رَسولَ اللهِ عَدَّه مِنْ السَّبعِ المُوبِقاتِ، وسبَقَ هناكَ شَرحُه، ومُختصرُ ذلكَ أنه قد يَكونُ كفرًا وقد لا يَكونُ كُفرًا، بل مَعصيتُه كَبيرةٌ، فإنْ كانَ فيه قَولٌ أو فِعلٌ يَقتضِي الكُفرَ كفَرَ، وإلا فَلا، وأما تَعلمُه وتَعليمُه فحَرامٌ، فإنْ تَضمَّنَ ما يَقتضِي


(١) «المغني» (٩/ ٣٤، ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>