ورُويَ «أنَّ عمَّارًا أخَذَه المُشركونَ فضَرَبوهُ حتى تَكلَّمَ بما طَلَبوا منهُ، ثم أتَى النبيَّ ﷺ وهو يَبكِي فأخبَرَه، فقالَ له النبيُّ ﷺ: إنْ عادُوا فعُدْ».
ورُويَ «أنَّ الكفَّارَ كانوا يُعذِّبونَ المُستضعَفينَ مِنْ المُؤمنينَ، فما منهُم أحَدٌ إلا أجابَهم إلا بلالًا فإنه كانَ يقولُ: أحَدٌ أحدٌ»، وقالَ النبيُّ ﷺ:«عُفيَ لأمَّتِي عن الخَطأِ والنِّسيانِ وما استُكرِهوا عليه»، ولأنه قَولٌ أُكرِهَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلمْ يَثبتْ حُكمُه كما لو أُكرهَ على الإقرارِ، وفارَقَ ما إذا أُكرهَ بحَقٍّ، فإنه خُيِّرَ بينَ أمرَينِ يَلزمُه أحَدُهما، فأيَّهما اختارَه ثبَتَ حُكمُه في حقِّه.
فإذا ثبَتَ أنه لم يَكفرْ فمَتى زالَ عنه الإكراهُ أُمِرَ بإظهارِ إسلامِه، فإنْ أظهَرَه فهو باقٍ على إسلامِه، وإنْ أظهَرَ الكُفرَ حُكِمَ أنه كفَرَ مِنْ حينِ نطَقَ به؛ لأننَّا تبيَّنَّا بذلكَ أنه كانَ مُنشرِحَ الصدرِ بالكفرِ مِنْ حينِ نطَقَ به مُختارًا له، وإنْ قامَتْ عليه بيِّنةٌ أنه نطَقَ بكلمةِ الكُفرِ وكانَ مَحبوسًا عندَ الكفَّارِ ومُقيَّدًا عندَهم في حالةِ خَوفٍ لم يُحكَمْ برِدتِه؛ لأنَّ ذلك ظاهِرٌ في الإكراهِ، وإنْ شَهدَتْ أنه كانَ آمِنًا حالَ نُطقِه به حُكمَ بردَّتِه، فإنِ ادَّعَى ورَثتُه رُجوعَه إلى الإسلامِ لم يُقبَلْ إلا ببيِّنةٍ؛ لأنَّ الأصلَ بقاؤُه على ما هو عليهِ، وإنْ شَهدَتِ البيِّنةُ عليه بأكلِ لَحمِ الخِنزيرِ لم يُحكَمْ بردَّتِه؛ لأنه قد يَأكلُه مُعتقِدًا