الجائِفةُ ما أفضَى إلى الجَوفِ ولو بمَغرزٍ إبرةٍ، فأما إنْ خرَقَ شِدقَه فوصَلَ إلى باطنِ الفَمِ فليسَ بجائفةٍ؛ لأنَّ داخِلَ الفَمِ حُكمُه حُكمُ الظاهرِ لا حُكمُ الباطنِ، وإنْ طعَنَه في وَجنتِه فكسَرَ العَظمَ ووصَلَ إلى فيهِ فليسَ بجائفةٍ؛ لِما ذكَرْنا.
وقالَ الشافِعيُّ في أحَدِ قَوليهِ:«هو جائفةٌ؛ لأنه قد وصَلَ إلى جَوفٍ»، وهذا يَنتقضُ بما إذا خرَقَ شِدقَه، فعلى هذا يكونُ عليهِ ديةُ هاشِمةٍ لكَسرِ العَظمِ وفيما زادَ حُكومةٌ، وإنْ جرَحَه في أنفِه فأنفَذَه فهو كما لو جرَحَه في وَجنتِه فأنفَذَه إلى فيهِ في الحُكمِ والخلافِ، وإنْ جرَحَه في ذَكرِه فوصَلَ إلى مَجرَى البَولِ الذكَرِ فليسَ بجائفةٍ؛ لأنه ليسَ بجَوفٍ يُخافُ التلفُ مِنْ الوُصولِ إليه، بخِلافِ غيرِه.
فَصلٌ: وإنْ أجافَه جائفتَينِ بينَهُما حاجِزٌ فعَليهِ ثُلثَا الدِّيةِ، وإنْ خرَقَ الجاني ما بينَهُما أو ذهَبَ بالسِّرايةِ صارَ جائِفةً واحِدةً فيها ثُلثُ الدِّيةِ لا غيرُ، وإنْ خرَقَ ما بينَهُما أجنَبيٌّ أو المَجنيُّ عليهِ فعلى الأولِ ثُلثَا الدِّيةِ وعلى الأجنبيِّ الثاني ثُلثُها، ويَسقطُ ما قابَلَ فِعلَ المجنيِّ عليهِ، وإنِ احتاجَ إلى خَرقِ ما بينَهُما للمُداواةِ فخرَقَها المجنيُّ عليهِ أو غيرُه بأمرِه أو خرَقَها وليُّ المجنيِّ عليهِ لذلكَ أو الطبيبُ بأمرِه فلا شَيءَ في خَرقِ الحاجزِ، وعلى الأولِ ثُلثَا الدِّيةِ، وإنْ أجافَه رَجلٌ فوسَّعَها آخَرُ فعَلى كلِّ واحِدٍ منهُما أرشُ جائِفةٍ؛ لأنَّ فِعلَ كلِّ واحدٍ منهُما لو انفرَدَ كانَ جائِفةً، فلا يَسقطُ حُكمُه بانضِمامِه إلى فعلِ غيرِه؛ لأنَّ فِعلَ الإنسانِ لا يَنبَني على فِعلِ غيرِه، وإنْ وسَّعَها الطبيبُ بإذنِه أو إذنِ وليِّه لمَصلحتِه فلا شيءَ عليهِ …