وأجمَعوا على أنَّ في كلِّ واحدٍ منها حُكومةٌ بعدَ الاندمالِ، والحُكومةُ أنْ يُقوَّمَ المَجنيُّ عليهِ قبلَ الجنايةِ كأنَّه كانَ عَبدًا ويقالَ: كم قِيمتُه قبلَ الجِنايةِ؟ وكم قيمتُه بعدَها؟ فيكونُ له بقَدرِ التفاوُتِ مِنْ ديَتِه.
ثم اختَلفُوا في هذه الجِراحِ الخَمسِ التي فيها الحُكومةُ إذا بلَغَتْ مِقدارًا زائدًا على ما فيه التَّوقيتُ، هل يُؤخَذُ مقدارُ التوقيتِ؟ أو دُونهُ؟ فقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: إذا بلَغَتِ الحدَّ المؤقَّتَ فلا تُبلَغُ بها إليه في الأرشِ، بل تُنقصُ منه.
وقالَ مالكٌ: يبلغُ بها إليهِ إذا بلَغَتْه ويُزادُ على أرشِ المؤقَّتِ إنْ زادَتْ هي عليهِ مُندمِلةً على شَيئينِ.
وقالَ أحمَدُ: لا يُجاوَزُ بشَيءٍ مِنْ ذلكَ أرشَ المؤقَّتِ رِوايةً واحِدةً، وهل يُبلغُ بها أرشُ المؤقَّتِ؟ على رِوايتينِ:
إحداهُما: لا يُبلغُ بها أرشُ المؤقَّتِ، وهي المَذهبُ.
والأُخرى: يُبلغُ بها، والمؤقَّتُ هو الموضِحةُ (١).
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: قالَ مالكٌ: الأمرُ عندَنا أنه ليسَ فيما دونَ الموضِحةِ مِنْ الشِّجاجِ عقلٌ حتى تَبلغَ الموضِحةَ، وإنما العقلُ في الموضِحةِ فما فوقَها؛ وذلكَ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ انتَهى إلى الموضِحةِ في كِتابِه لعَمرِو بنِ حَزمٍ فجعَلَ فيها خَمسًا مِنْ الإبلِ، ولم تَقْضِ الأئمَّةُ في القَديمِ ولا في الحَديثِ فيما دونَ الموضِحةِ بعَقلٍ مُسمًّى.