أحَدَ العاقِلةِ، فيَدخلُ معَهم في الدِّيةِ ويكونُ كأحَدِهم؛ لأنَّ الإيجابَ على العاقِلةِ لدَفعِ الإجحافِ والاستِئصالِ عن القاتلِ والتَّخفيفِ عليهِ، وذلكَ في الكُلِّ لا في الجُزءِ، ثم الوُجوبُ عليهِم باعتِبارِ النُّصرةِ، ولا شَكَّ أنه يَنصرُ نفْسَه كما يَنصرُه غيرُه، وكما أنه مَعذورٌ غيرُ مُؤاخَذٍ شَرعًا فالعاقِلةُ لا يُؤاخَذونَ بفِعلِه أيضًا، قالَ الله تعالَى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، ومَن لم يَجْنِ فهو أبعَدُ مِنْ المُؤاخَذةِ مِنْ الجاني المَعذورِ، فإذا أوجَبْنا على كلِّ واحِدٍ مِنْ العاقِلةِ جُزءًا مِنْ الدِّيةِ فلَأنْ نُوجِبَ عليهِ مثلَ ذلكَ أَولى؛ وهذا لأنَّ مَحلَّ أداءِ الواجِبِ العطاءُ الذي يخرجُ لهم بطَريقِ الصِّلةِ، وهُم في ذلكَ كنَفسٍ واحِدةٍ، فكمَا يخرجُ العَطاءُ لغَيرِ القاتلِ يخرجُ للقاتلِ (١).
قالَ الإمامُ الزَّيلعيُّ ﵀:(والقاتِلُ كأحَدِهم) أي: كواحِدٍ مِنْ العاقِلةِ؛ لأنه هو القاتِلُ، فلا مَعنى لإخراجِه ومُؤاخَذةِ غيرِه به، وقالَ الشافِعيُّ ﵀: لا يَجبُ على القاتلِ شَيءٌ مِنْ الدِّيةِ؛ لأنه مَعذورٌ، ولهذا لا يَجبُ عليهِ الكُلِّ فكذا البَعضُ؛ إذِ الجُزءُ لا يُخالِفُ الكُلَّ.
قلنَا: إيجابُ الكُلِّ إجحافٌ به، ولا كذلكَ البَعضُ؛ ولأنها تَجبُ للنُّصرةِ، وهو يَنصرُ نفْسَه مثلَ ما يَنصرُه غيرُه بل أشَدَّ، فكانَ أَولى بإيجابٍ عليهِ، فإذا كانَ المُخطئُ مَعذورًا فالبَريءُ منه أَولى، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، وعَدمُ وُجوبِ الكُلِّ لا ينفي وُجوبَ البَعضِ،
(١) «المبسوط» (٢٧/ ١٢٦)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ١٩٨).