للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على النَّبيِّ ؟ قالَ: يكفرُ. قالَ: فإن ردَّ على العَلِيِّ الأعلَى؟ ثم غُشِيَ عليه، ثم أفاقَ، فقالَ: رُدُّوا عليه، والذي لا إلهَ إلا هوَ، فإنَّه قالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]، وهو يَعلَمُ أنَّ بَني العَبَّاسِ سَيَلُونَها، ولأنَّ هذه الصَّلاةَ مِنْ شَعائرِ الإسلامِ الظاهِرةِ، ويَليها الأئمَّةُ دونَ غيرِهم، فتَركُها خلفَهم يَفي إلى تَركِها بالكلِّيَّةِ إذا ثَبت ذلك؛ فإنَّها تُعادُ خلفَ مَنْ يُعادُ خلفَه غيرُها، قياسًا عليها، هذا ظاهرُ المَذهبِ، وعنه أنَّه قالَ: مَنْ أعادَها فهو مُبتَدِعٌ، وهذا يدلُّ على أنَّها لا تُعادُ خلفَ فاسِقٍ ولا مُبتَدِعٍ؛ لأنَّها صَلاةٌ مَأمورٌ بها؛ فلَم تَجِب إعادَتُها، كسائرِ الصَّلواتِ (١).

وقال ابنُ رُشدٍ : وسَببُ اختِلافِهم في هذا -أي: في إمامةِ الفاسِقِ- أنَّه شَيءٌ مَسكوتٌ عنه في الشَّرعِ، والقياسُ فيه مُتعارِضٌ، فمَن رَأى أنَّ الفِسقَ لمَّا كانَ لا يُبطِلُ صحَّةَ الصَّلاةِ، ولم يكن يَحتاجُ المَأمومُ مِنْ إمامِه إلا صحَّةَ صَلاتِه فَقط، على قولِ مَنْ يَرى أنَّ الإمامَ يَحمِلُ عن المَأمومِ، أجازَ إمامةَ الفاسِقِ، ومَن قاسَ الإمامةَ على الشَّهادةِ، واتَّهَم الفاسِقَ أن يُصلِّيَ صَلاةً فاسِدةً؛ كما يُتَّهَمُ في الشَّهادةِ أن يَكذِبَ، لم يُجِز إمامَتَه، ولذلك فرَّق قَومٌ بينَ أن يَكونَ فِسقُه بتأويلٍ، أو بغيرِ تأويلٍ، وإلى قَريبٍ مِنْ هذا يَرجِعُ مَنْ فرَّق بينَ أن يَكونَ فِسقُه مَقطوعًا به، أو غيرَ مَقطوعٍ به؛ لأنَّه إذا كانَ مَقطوعًا به كانَ غيرَ مَعذورٍ في تَأويلِه، وقد رامَ أهلُ الظاهِرِ أن يُجيزوا


(١) «الشرح الكبير مع المغني» (٢/ ٤٠٨، ٤٠٩)، و «معاني الآثار» (١/ ٤٩٠، ٤٩١)، و «الإفصاح» (١/ ٢١٢)، و «منار السبيل» (١/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>