ولأنَّ الأطرافَ يُسلَكُ بها مَسلَكَ الأموالِ، ولهذا لا يُقطعُ الصَّحيحُ بالأشلِّ، والكاملُ بالناقِصِ الأصابعِ؛ لاختِلافِهما في القِيمةِ، بخِلافِ النَّفسِ على ما مَرَّ، وإذا كانَ كذلكَ تَنتفي المُماثَلةُ بانتِفاءِ المُساواةِ في الماليَّةِ، والماليَّةُ مَعلومةٌ بتَقديرِ الشَّرعِ، فأمكَنَ اعتِبارُ التَّساوِي فيها، ولا يُمكنُ التساوي في القَطعِ إلا إذا كانَ مِنْ المَفصلِ.
إذا ثبَتَ هذا فنَقولُ: لا يَجرِي القِصاصُ في الأطرافِ بينَ الرَّجلِ والمَرأةِ، حتَّى لو قطَعَ يَدَها عمدًا لا يَجبُ القِصاصُ؛ لأنَّ الأرشَ مُختلِفُ المِقدارِ، والتَّكافؤُ مُعتبَرٌ فيما دونَ النَّفسِ؛ بدَليلِ أنه لا يُقطعُ اليَمينُ باليَسارِ، ولا اليَدُ الصَّحيحةُ بالشَّلاءِ وناقِصةِ الأصابعِ، بخِلافِ القِصاصِ في الأنفُسِ، فإنَّ التَّكافؤَ لا يُعتبَرُ فيه، ولهذا يُقتلُ الصَّحيحُ بالزَّمِنِ والجَماعةُ بالواحدِ، فإنْ كانَ التَّكافؤُ مُعتبَرًا فيما دونَ النَّفسِ فلا تَكافؤَ بينَ يَدِ الرَّجلِ والمَرأةِ؛ لأنَّ يَدَها تَصلحُ لِما لا يَصلحُ له يَدُه، كالطَّحنِ والخَبزِ والغَزْلِ، وإذا سقَطَ القِصاصُ وجَبَ الأرشُ في مالِه حالًّا.
وكذا لا يَجرِي القِصاصُ في الأطرافِ بَينَ الحُرِّ والعَبدِ؛ لاختِلافِهما في القِيمةِ، وهي الدِّيةُ.
ويَجري القِصاصُ في الأطرافِ بينَ المُسلمِ والذِّميِّ؛ لتَساويهِما في الدِّيةِ، وكذا بينَ المَرأتينِ الحُرَّتينِ، والمُسلِمةِ والكتابيةِ، وكذا بينَ الكِتابيَّتينِ (١).
(١) «المبسوط» للشيباني (٤/ ٤٩١)، و «أحكام القرآن» (١/ ١٧٣)، و «الهداية» (٤/ ١٦٦)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «عمدة القاري» (٢٤/ ٤٧)، و «الفتاوى الهندية» (٦/ ٩).