للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو معنَى قولِه : «بُعثْتُ بالسَّيفِ بينَ يَدَيِ الساعةِ»، يعنِي السلاحَ الذي هو آلةُ القِتالِ.

ولأنَّ استِحقاقَ القَتلِ يَمنعُ مِنْ استِيفائِه بغَيرِ السَّيفِ كالمُرتدِّ وكالقاتِلِ بالسَّيفِ، ولأنَّ تَفويتَ النُّفوسِ المُباحةِ لا يَجوزُ إلا بالمُحدَّدِ كالذَّبائحِ، مع أنَّ نُفوسَ الآدميِّينَ أغلَظُ حُرمةً مِنْ نُفوسِ البَهائمِ.

ولأنَّ القِصاصَ أحَدُ بَدَلي النَّفسِ فدخَلَ الطَّرفُ في حُكمِ الجُملةِ كالدِّيةِ؛ فإنه لو صارَ الأمرُ إلى الدِّيةِ لم تَجبْ إلا دِيةُ النفسِ، ولأنَّ القَصدَ مِنْ القِصاصِ في النَّفسِ تَعطيلُ الكلِّ وإتلافُ الجُملةِ، وقد أمكَنَ هذا بضَربِ العُنقِ، فلا يَجوزُ تَعدِيتُه بإتلافِ أطرافِه، كما لو قتَلَه بسَيفٍ كالٍّ فإنه لا يُقتلُ بمِثلِه.

وإنْ أرادَ الوَليُّ أنْ يَقتلَ بغيرِ السَّيفِ لا يُمكَّنُ، ولو فعَلَ يُعزَّرُ، لكنْ لا ضَمانَ عليهِ، ويَصيرُ مُستوفِيًا بأيِّ طَريقٍ قتَلَه، سواءٌ قتَلَه بالعَصا أو بالحَجرِ أو ألقاهُ مِنْ السَّطحِ أو ألقاهُ في البئرِ أو ساقَ عليهِ دابَّةً حتى ماتَ ونحوَ ذلكَ؛ لأنَّ القتلَ حقُّه، فإذا قتَلَه فقدِ استَوفَى حقَّه بأيٍّ طَريقٍ كانَ، إلا أنه يَأثمُ بالاستِيفاءِ لا بطَريقٍ مَشروعٍ؛ لمُجاوَزتِه حَدَّ الشَّرعِ.

وله أنْ يَقتلَ بنَفسِه وبنائبِه بأنْ يَأمرَ غيرَه بالقَتلِ؛ لأنَّ كلَّ أحَدٍ لا يَقدرُ على الاستِيفاءِ بنَفسِه إما لضَعفِ بَدنِه أو لضَعفِ قَلبِه أو لقلَّةِ هِدايتِه إليه، فيَحتاجُ إلى الإنابةِ، إلا أنه لا بُدَّ مِنْ حُضورِه عندَ الاستِيفاءِ (١).


(١) «أحكام القرآن» (١/ ١٩٨، ٢٠٠)، و «المبسوط» (٢٦/ ١٢٢)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٤٥، ٢٤٦)، و «الهداية» (٤/ ١٦١)، و «البناية شرح الهداية» (١٣/ ٨٦، ٨٧)، و «الاختيار» (٥/ ٣٥)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٢١١)، و «المغني» (٨/ ٢٤٠)، و «الكافي» (٤/ ٤٢)، و «المبدع» (٨/ ٢٩٢)، و «الإنصاف» (٩/ ٤٩٠)، و «منار السبيل» (٣/ ٢٣٨، ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>