للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَحوِ قولِه : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: ١٧٨]، وقَولِه : ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]، وقَولِه جَلَّتْ عَظمَتُه: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء: ٣٣] مِنْ غيرِ فَصلٍ بينَ قَتيلٍ وقَتيلٍ ونَفسٍ ونَفسٍ ومَظلومٍ ومَظلومٍ، فمَن ادَّعَى التَّخصيصَ والتقييدَ فعَليهِ الدليلُ.

وقَوله عَزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]، وتَحقيقُ معنَى الحَياةِ في قَتلِ المُسلمِ بالذِّميِّ أبلَغُ منه في قَتلِ المُسلمِ بالمُسلمِ؛ لأنَّ العَداوةَ الدِّينيةَ تَحملُه على القَتلِ، خُصوصًا عندَ الغَضبِ، ويَجبُ عليهِ قَتلُه لغُرمائِه، فكانَتِ الحاجَةُ إلى الزاجِرِ أمَسَّ، فكانَ في شَرعِ القِصاصِ فيه في تَحقيقِ معنَى الحَياةِ أبلَغَ.

ولِما رَواهُ ابنُ عُمرَ «أنَّ رَسولَ اللَّهِ قتَلَ مُسلِمًا بمُعاهَدٍ، وقالَ: أنَا أكرَمُ مَنْ وَفَى بذِمَّتِه» (١)، ولأنَّ المُساواةَ في العِصمةِ ثابتةٌ نَظرًا إلى التَّكليفِ والدارِ، والمُبيحُ كُفرُ المُحارِبِ دونَ المُسالِمِ، ولأنهُم إنما أعطَوُا الجِزيةَ لتَكونَ أموالُهم كأموالِنا ودِماؤُهم كدِمائِنا، ولاستِوائِهما في العِصمةِ المُؤبَّدةِ، ولأنَّ عدَمَ القِصاصِ تَنفيرٌ لهم عن قَبولِ عَقدِ الذمَّةِ، وفيه مِنْ الفَسادِ ما لا يَخفَى.

ولأنه لا خِلافَ في أنَّ المُسلمَ إذا سرَقَ مِنْ الذميِّ فإنه يُقطعُ، فكذا إذا قتَلَه.


(١) ضَعِيفٌ: رواه الدارقطني (٣٢٥٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٥٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>