للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُكرِه؛ لأنَّ المَعاصي لا تكونُ أسبابَ الرُّخَصِ، ولئلَّا يُؤدِّي إلى تَركِ القصاصِ؛ لأنَّ مَنْ رامَ القتلَ لا يَعجرُ أنْ يَسكرَ حتى لا يُقتصَّ منه.

ولأنَّ الصحابةَ أقامُوا سُكرَه مَقامَ قَذفِه، فأوجَبُوا عليهِ حدَّ القاذفِ، فلولا أنَّ قذْفَه مُوجِبٌ للحدِّ عليهِ لَمَا وجَبَ الحدُّ بمَظنتِه، وإذا وجَبَ الحَدُّ فالقِصاصُ المُتمحضُ حَقَّ آدميٍّ أَولى، ولأنه حُكمٌ لو لم يَجبِ القصاصُ والحَدُّ لَأفضَى إلى أنَّ مَنْ أرادَ أنْ يَعصيَ اللهَ تعالَى شَربَ ما يُسكرُه ثم يَقتلُ ويَزني ويَسرقُ ولا يَلزمُه عُقوبةٌ ولا مَأثمٌ، ويَصيرُ عِصيانُه سَببًا لسُقوطِ عُقوبةِ الدُّنيا والآخرةِ عنه، ولا وجْهَ لهذا، وفارَقَ هذا الطَّلاقَ؛ لأنه قَولٌ يُمكنُ إلغاؤُه بخِلافِ القتلِ (١).

وأُلحقَ به عندَ الشافِعيةِ مَنْ تَعدَّى بشُربِ دواءٍ يُزيلُ العَقلَ، أما غيرُ المُتعدِّي فهو كالمَعتوهِ، فلا قِصاصَ عليهِ.

وقالَ الحَنابلةُ: فأما إنْ شَربَ أو أكَلَ ما يُزيلُ عقْلَه غيرَ الخمرِ على وَجهٍ مُحرَّمٍ فإنْ زالَ عقلُه بالكلِّيةِ بحَيثُ صارَ مَجنونًا فلا قِصاصَ عليهِ، وإنْ كانَ يَزولُ قَريبًا ويَعودُ مِنْ غيرِ تَداوٍ فهو كالسُّكرِ على ما فُصِّلَ فيه (٢).


(١) «الدر المختار» (٥/ ٦٢٢)، و (٦/ ٥٨٦، ٥٨٧)، و «الذخيرة» (١٢/ ٢٧٣)، و «القوانين الفقهية» (٢٢٦)، و «البيان» (١١/ ٣٠٣)، و «روضة الطالبين» (٦/ ١٥٨)، و «أسنى المطالب» (٤/ ١٢)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٥٥)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٣١)، و «المغني» (٨/ ٢٢٦)، و «كشاف القناع» (٥/ ٦١٣، ٦١٤).
(٢) «المغني» (٨/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>