للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ مالِكٌ في الرَّجلِ يُمسكُ الرَّجلَ للرَّجلِ فيَضربُه فيَموتُ مَكانَه أنه إنْ أمسَكَه وهو يَرَى أنه يُريدُ قتْلَه قُتِلَا به جَميعًا، وإنْ أمسَكَه وهو يَرَى أنه إنما يُريدُ الضَّربَ ممَّا يُضربُ به الناسُ لا يَرَى أنه عمَدَ لقَتلِه فإنه يُقتلُ القاتلُ، ويُعاقَبُ المُمسكُ أشَدَّ العُقوبةِ ويُسجَنُ سَنةً، لأنه أمسَكَه، ولا يَكونُ عليهِ القتلُ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ وأبو ثَورٍ وابنُ المُنذرِ إلى أنه يُعاقَبُ ويَأثمُ ولا يُقتلُ المُمسكُ؛ لأنَّ النبيَّ قالَ: «إنَّ أعتَى الناسِ على اللهِ مَنْ قتَلَ غيرَ قاتِلِه» (٢)، والمُمسكُ غيرُ قاتلٍ، ولأنَّ الإمساكَ سَببٌ غيرُ مُلجِئٍ، فإذا اجتمَعَتْ معَه المُباشَرةُ كانَ الضمانُ على المُباشِرِ، كما لو لم يَعلمِ المُمسكُ أنه يَقتلُه، وكما يَحدُّ الزاني دونَ الذي أمسَكَ المَرأةَ.

قالَ الماوَرديُّ : رَجلٌ أمسَكَ رَجلًا حتى قتَلَه آخَرُ فعَلى القاتلِ القَودُ، فأما المُمسكُ فإنْ كانَ القاتلُ يَقدرُ على القَتلِ مِنْ غيرِ إمساكٍ، أو كانَ المَقتولُ يَقدرُ على الهَربِ بعدَ الإمساكِ فلا قوَدَ على المُمسكِ بالإجماعِ.

وإنْ كانَ القاتلُ لا يَقدرُ على القَتلِ إلا بالإمساكِ، وكانَ المقتولُ لا يَقدرُ على الهَربِ بعدَ الإمساكِ فقدِ اختَلفَ الفُقهاءُ في المُمسكِ، فمَذهبُ الشافِعيِّ وأبي حَنيفةَ: أنه لا قوَدَ عليهِ ولا دِيةَ، ويُعزَّرُ أدبًا.


(١) «الاستذكار» (٨/ ١٦٩)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٩٣، ٩٤)، رقم (١٤٣٧)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٦٠)، و «المغني» (٨/ ٢٨٦، ٢٨٧)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٠، ٣١).
(٢) رواه الإمام أحمد في «مسنده» (١٦٤٢٥)، والحاكم في «المستدرك» (٨٠٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>