للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الجَماعةَ إذا اشتَركُوا في قَتلِ مَعصومٍ وتَعاوَنوا عليهِ وكانَ فِعلُ كلِّ واحِدٍ مِنهُم لوِ انفَردَ وجَبَ عليهِ القِصاصُ فإنَّهُم يُقتَلونَ بهِ وإنْ كَثرُوا.

واستَدلُّوا على ذلكَ بما يَلي:

قَولِه تعالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ [الإسراء: ٣٣]، فلا فرْقَ بيْنَ أنْ يَكونَ القاتِلُ واحِدًا أو جَماعةً؛ لوُقوعِ اسمِ القَتلةِ عليهِم، ولأنَّ اللهَ تعالَى جعَلَ الحُجَّةَ لوَليِّ المَقتولِ عليهِم.

وقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]، وسَببُ الحَياةِ أنَّه إذا عَلِمَ القاتِلُ بوُجوبِ القِصاصِ عليهِ إذا قتَلَ كَفَّ عنِ القَتلِ، فحَي القاتِلُ والمَقتولُ؛ لأنَّه لو لم تُقتَلِ الجَماعةُ بالواحِدِ لأدَّى ذلكَ إلى رفْعِ الحَياةِ في القِصاصِ الذي جعَلَه اللهُ حَياةً.

ولو عَلِمَ الجَماعةُ أنهُم إذا قتَلَوا واحِدًا لم يُقتلُوا لَتعاونَ الأعداءُ على قَتلِ أعدائِهم بالاشتِراكِ في قَتلِهم وبَلَغوا الأملَ مِنْ التشفِّي منهُم.

وأيضًا فإنَّ النَّفسَ لا تَتبعَّضُ في الإتلافِ؛ بدَليلِ أنه لا يُقالَ: «قاتِلُ بَعضِ نَفسٍ»؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ قد حصَلَ مِنْ جِهتِه فِعلُ ما يَتعلقُ به خُروجُ الرُّوحِ عندَه، وهذا لا يَتبعضُ؛ لامتِناعِ أنْ يَكونَ بعضُ الرُّوحِ خرَجَ بفِعلِ أحَدِهم وبَعضُها بفِعلِ الباقينَ، فكانَ كلُّ واحدٍ منهُم قاتِلَ نَفسٍ، ومثلُ هذا لو أنَّ جَماعةً دَفَعوا حَجرًا لَكانَ كلُّ واحدٍ منهُم دافِعًا له؛ لأنَّ الحجَرَ لا يَتبعضُ كما أنَّ النَّفسَ لا تَتبعضُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>