ولمْ يَذكرِ الكفَّارةَ، وذكَرَ الخَطأَ وحُكمَه، فبَيَّنَ الكفَّارةَ في الخَطأِ، فلو كانَتْ واجِبةً في العَمدِ كوُجوبِها في الخَطأِ لَبيَّنَها.
ولأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢]، فنَصَّ على إيجابِ الكفَّارةِ في قَتلِ الخَطأِ، وذكَرَ قتْلَ العَمدِ في قَولِه تعالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: ١٧٨]، وقالَ: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وخصَّهُ بالعَمدِ، فلمَّا كانَ كلُّ واحِدٍ مِنْ القَتيلينِ مَذكورًا بعَينِه ومَنصوصًا على حُكمِه لم يَجُزْ لنا أنْ نَتعدَّى ما نَصَّ اللهُ تعالَى علينا فيهِما؛ إذ غيرُ جائزٍ قِياسُ المَنصوصاتِ بعضِها على بَعضٍ؛ لأنَّ الكفَّارةَ لا تَجبُ إلا حَيثُ أوجَبَها اللهُ؛ لأنَّ الكفَّاراتِ عباداتٌ، ولا يَجوزُ التمثيلُ عليها، وليسَ يَجوزُ لأحَدٍ أنْ يَفرضَ فَرضًا يُلزِمُه عِبادَ اللهِ إلا بكِتابٍ أو سُنةٍ أو إجماعٍ، وليسَ مع مَنْ فرَضَ على القاتلِ عَمدًا كفَّارةً حُجةٌ مِنْ حَيثُ ذكَرْتُ.
ولأنه معنًى مُوجِبٌ للقَتلِ، فلَم يُوجِبْ على فاعِلِه كفَّارةً، أصلُه الزنا مع الإحصانِ، ولأنَّ القتلَ لو تَعلَّقتْ به كفَّارةٌ لم يَتعلَّقْ به قَودٌ، ألَا تَرى أنَّ قتْلَ الخَطأِ لمَّا نزَلَتْ به كَفارةٌ لم يَلزمْ به قَودٌ (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ وأحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الكفَّارةَ تَجبُ في قَتلِ العَمدِ وشِبهِ العَمدِ والخَطأِ وفي القَتلِ بالسَّببِ كما في المُباشَرةِ،
(١) «المبسوط» (٢٧/ ٨٤، ٨٥)، و «أحكام القرآن» (٣/ ٢٢١)، و «العناية شرح الهداية» (١٥/ ١٢٠، ١٢١)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ١٦٣)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٣٣١)، و «المغني» (٨/ ٤٠٢).