الرُّبيِّعِ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«كِتابُ اللهِ القِصاصُ»(١)، فعُلِمَ بدَليلِ الخِطابِ أنه ليسَ له إلا القصاصُ.
وعُمدةُ الفَريقِ الثاني حَديثُ أبي هُريرةَ الثابتِ:«مَنْ قُتلَ له قَتيلٌ فهو بخَيرِ النَّظرينِ: بينَ أنْ يَأخذَ الدِّيةَ وبينَ أنْ يَعفوَ»، هُما حَديثانِ مُتفَقٌ على صِحتِهما، لكنَّ الأولَ ضَعيفُ الدلالةِ في أنه ليسَ له إلا القِصاصُ، والثاني نَصٌّ في أنَّ له الخِيارَ.
والجَمعُ بينَهُما يُمكنُ إذا رُفعَ دليلُ الخِطابِ مِنْ ذلكَ، فإنْ كانَ الجَمعُ واجبًا ومُمكِنًا فالمَصيرُ إلى الحَديثِ الثاني واجِبٌ، والجُمهورُ على أنَّ الجَمعَ واجِبٌ إذا أمكَنَ، وأنه أَولى مِنْ التَّرجيحِ.
وأيضًا فإنَّ اللهَ ﷿ يَقولُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، وإذا عُرضَ على المُكلَّفِ فِداءُ نَفسِه بمالٍ فواجِبٌ عليهِ أنْ يَفديَها، أصلُه إذا وجَدَ الطَّعامَ في مَخمصةٍ بقِيمةِ مِثلِه وعندَه ما يَشتريهِ، أعني أنه يُقضَى عليهِ بشِرائهِ، فكيفَ بشراءِ نَفسهِ؟! ويَلزمُ على هذهِ الرِّوايةِ إذا كانَ للمَقتولِ أولياءُ صِغارٌ وكِبارٌ أنْ يُؤخرَ القتلُ إلى أنْ يَكبَرَ الصغارُ فيَكونَ لهُم الخيارُ، ولا سيَّما إذا كانَ الصغارُ يَحجبونَ الكِبارَ مثلَ البَنينَ مع الإخوةِ.
قالَ القاضي: وقد كانَتْ وقَعَتْ هذه المَسألةُ بقُرطبةَ حَياةَ جَدِّي ﵀، فأفتَى أهلُ زَمانِه بالرِّوايةِ المَشهورةِ، وهو أنْ لا يُنتظرَ الصغيرُ، فأفتَى هو ﵀ بانتِظارِه على القِياسِ، فشنَّعَ أهلُ زَمانِه ذلكَ عليهِ لِمَا