للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ مالكٌ: الأمرُ عِندَنا أنْ يُقتلَ به، وليسَ لوليِّ الدمِّ أنْ يَعفوَ عنه، وذلكَ إلى السُّلطانِ، والغيلةُ عندَه أنْ يُخدعَ الإنسانُ فيُدخلَ بيتًا أو نحوَه فيُقتلَ أو يُؤخذُ مالُه، ولَعلَّه يَحتجُّ بقَولِ عُمرَ في الذي قُتلَ غيلةً: «لو تَمالأَ عليهِ أهلُ صَنعاءَ لَأقدْتُهم بهِ»، وبقِياسِه على المُحارِبِ.

ولنا: عُمومِ قولِه تعالَى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء: ٣٣]، وقُولُ النبيِّ : «فأهلُه بينَ خِيرَتينِ»، ولأنه قَتيلٌ في غيرِ المُحارَبةِ، فكانَ أمرُه إلى وَليِّه كسائرِ القتلَى، وقَولُ عُمرَ: «لَأقدْتُهم به» أي: أمكَنْتُ الوليَّ مِنْ استِيفاءِ القَودِ منهُم (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه ليسَ لوليِّ المَقتولِ العَفوُ في قتلِ الغيلةِ، ويُقتلُ به، وليسَ ذلكَ قِصاصًا وإنما لفَسادِه في الأرضِ.

وقَتلُ الغِيلةِ أنْ يَقتلَه ليَأخذَ مالَه كما يَصنعُ قاطعُ الطَّريقِ، لا يَقتلُه لثَائرةٍ ولا عَداوةٍ، سَواءٌ كانَ القَتلُ خِفيةً -كما لو خدَعَه فذهَبَ به لمَحلٍّ فقتَلَه فيه لأخذِ المالِ- أو كانَ ظاهِرًا على وَجهٍ يَتعذرُ معه الغَوثُ -وإنْ كانَ الثاني يُسمَّى حِرابةً-، ولا يُقتلُ به قِصاصًا، بل للفَسادِ، ولذا قالَ الإمامُ مالكٌ: لا عفْوَ فيه ولا صُلحَ، وصُلحُ الوليِّ مَردودٌ والحُكمُ فيه للإمامِ (٢).


(١) «المغني» (٨/ ٢١٥).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٥٦٥)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٨١، ٨٢)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢١٧)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١٧٧، ١٧٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>