فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الصَّبيَّ أو المَجنونَ إذا أمرَهَ رجلٌ أو أُكرِهَ على قَتلِ إنسانٍ فلا قِصاصَ على واحدٍ مِنهُما، لا على الآمِرِ ولا على الصَّبيِّ ولا المَجنونِ، وكانَتْ ديَةُ المَقتولِ على عاقِلةِ الصبيِّ أو المَجنونِ، ويَرجعُ بذلكَ عاقِلةُ الصَّبيِّ على عاقِلةِ الآمِرِ مِنْ قِبَلِ أنَّ قَولَ الرَّجلِ يَجوزُ ويُنفذُ على نفْسِه؛ لأنَّ الآمِرَ جانٍ في استعمالِه الصبيَّ وأمرِه إيَّاه بالقَتلِ، وهو الذي تَسبَّبَ بوُجوبِ الضَّمانِ على عاقِلةِ الصبيِّ، فثَبتَ لهُم حقُّ الرُّجوعِ بها على عاقِلتِه، حتَّى ولو كانَ الصَّبيُّ المكرَهُ يَعقِلُ وهو مُطاعٌ أو بالِغٌ مُختِلطَ العَقلِ وهوَ مُسلَّطٌ فلا قِصاصَ عليهِ.
وإذا أمَرَ صبيٌّ صَبيًّا بقَتلِ إنسانٍ فالدِّيةُ على عاقِلةِ الصبيِّ القاتلِ؛ لأنَّ الصبيَّ هو المباشِرُ للقتلِ، وعَمدُه وخَطؤُه سَواءٌ، فيَجبُ على عاقِلتِه، ولا شيءَ على الصبيِّ الآمِرِ للصبيِّ؛ لأنهُما لا يُؤاخَذانِ بأقوالِهما؛ لأنَّ المُؤاخَذةَ فيها باعتبارِ الشَّرعِ ولم يَعتبِرْ قَولَهما، ولا رُجوعَ لعاقِلةِ الصبيِّ على الصبيِّ الآمِرِ أبدًا.
وإذا اشتَركَ صبيٌّ ورَجلٌ، أو مَجنونٌ وصَحيحٌ، أو قاتِلُ عَمدٍ وقاتِلُ خَطأٍ في قَتلِ رَجلٍ فلا قِصاصَ على واحِدٍ منهُما، وعلى عاقِلةِ الصبيِّ الديَةُ، وهيَ على الرَّجلِ العامِدِ في مالِه، وفي المُخطِئِ على عاقِلتِه (١).
(١) «المبسوط» للشيباني (٤/ ٥٥٠، ٥٥١)، و «أحكام القرآن» (١/ ١٨٠، ١٨١)، و «فتاوى السغدي» (٢/ ٦٦٤)، و «المبسوط» (٢٦/ ١٨٥)، و «البدائع» (٧/ ١٨٠)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ١٥٩)، و «الفتاوى الهندية» (٥/ ٥٣)، و «مجمع الضمانات» (٤٦٢)، و «العناية» (١٥/ ٤٢٥)، و «البحر الرائق» (٨/ ٨٠).