صِيانةً لِصَلاتِهما، ورُويَ أنَّ أبا بَكرةَ ﵁ دخلَ المَسجدَ ورَسولُ اللهِ ﷺ راكِعٌ، فكبَّر ورَكَعَ ودَبَّ، حتى التَحَقَ بالصُّفوفِ، فلمَّا فرغَ النَّبيُّ مِنْ صَلاتِه قالَ:«زادَكَ اللهُ حِرصًا، ولا تَعُد»، أو قالَ:«لَا تَعدُ»، جوَّز اقتِداءَه به خلفَ الصَّفِّ، والدَّليلُ عليه أَنَّه لو تَبيَّن أنَّ مَنْ بجَنبِه كانَ مُحدِثًا تَجوزُ صَلاتُه بالإجماعِ، وإن كانَ هو مُنفرِدًا خلفَ الصَّفِّ حَقيقةً.
والحَديثُ مَحمولٌ على نَفيِ الكَمالِ، والأمرُ بالإعادةِ شَاذٌّ.
ولو ثَبت فيُحتَملُ أَنَّه كانَ بينَه وبينَ الإمامِ ما يَمنَعُ الاقتِداءَ، وفي الحَديثِ ما يدلُّ عليه، فإِنَّه قالَ في حُجرةٍ مِنْ الأرضِ، أي: ناحيةٍ، لكنَّ الأَولَى عندَنا أن يَلتَحِقَ بالصَّفِّ إن وجدَ فُرجةً ثم يُكبِّرَ، ويُكرَهُ له الانفِرادُ مِنْ غيرِ ضَرورةٍ.
ووَجهُ الكَراهةِ نَذكرُه في بَيانِ ما يُكرَه فِعلُه في الصَّلاةِ.
ولو انفَرَدَ ثم مَشَى لِيَلحَقَ بالصَّفِّ، ذُكر في الفَتاوى عن مُحمدِ بنِ سَلمةَ أَنَّه إن مَشَى في صَلاتِه مِقدارَ صَفٍّ واحدٍ لا تفسُدُ، وإن مَشَى أكثرَ مِنْ ذلك فَسَدَت، وكذلك المَسبوقُ إذا قامَ إلى قَضاءِ ما سبقَ به، فتَقدَّم حتى لا يمُرَّ النَّاسُ بينَ يَديهِ، أَنَّه إن مَشَى قَدرَ صَفٍّ لا تفسُدُ، وإن كانَ أكثرَ مِنْ ذلك فَسَدت، وهو اختيارُ الفَقيهِ أبي اللَّيثِ، سَواءٌ كانَ في المَسجدِ، أو في الصَّحراءِ، ولو مَشَى مِقدارَ صَفٍّ ووقفَ، لا تفسُدُ صَلاتُه، وقدَّرَ بَعضُ أصحابِنا بمَوضِعِ سُجودِه، وبَعضُهم بمِقدارِ الصَّفَّينِ، إن زادَ على ذلك فَسَدت صَلاتُه (١).
(١) «بدائع الصنائع» (١/ ١٤٦)، ويُنظر: «معاني الآثار» (١/ ٤٥٨، ٤٥٩)، و «شرح فتح القدير» (١/ ٣٥٧)، وابن عابدين (١/ ٥٧٠)، و «الاستذكار» (٢/ ٢٧١، ٣١٦، ٣١٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢١٠)، و «شرح ابن بطال» (٢/ ٤٠٠)، و «التاج والإكليل» (٢/ ١٣١)، و «المجموع» (٥/ ٣٨٩)، و «مُغني المحتاج» (١/ ٢٤٧).