وقالَ الحَنابلةُ: وإنْ جرَحَه في غيرِ مَقتلٍ فإنْ كانَ قد بالَغَ في إدخالِها في البَدنِ فهو كالجُرحِ الكَبيرِ؛ لأنَّ هذا يَشتدُّ ألَمُه ويُفضي إلى القَتلِ كالكَبيرِ.
وإنْ كانَ الغَورُ يَسيرًا أو جرَحَه بالكَبيرِ جُرحًا لَطيفًا كشَرطةِ الحجَّامِ فما دُونَها؛ فإنْ بَقيَ مِنْ ذلكَ ضَمَّنَّا حتَّى ماتَ ففيهِ القَودُ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنه ماتَ منهُ، وإنْ ماتَ في الحالِ ففيهِ وَجهانِ:
أحَدُهما: لا قِصاصَ فيه، قالَه ابنُ حامِدٍ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنه لم يَمتْ منه.
والثَّاني: فيه القِصاصُ؛ لأنَّ المُحدَّدَ لا يُعتبَرُ فيه غَلبةُ الظنِّ في حُصولِ القَتلِ به؛ بدَليلِ ما لو قطَعَ شَحمةَ أُذنِه أو قطَعَ أُنمُلتَه، ولأنه لمَّا لم يُمكِنْ إدارةُ الحُكمِ وضَبطُه بغَلبةِ الظنِّ وجَبَ رَبطُه بكَونِه مُحدَّدًا، ولا يُعتبَرُ ظُهورُ الحُكمِ في آحادِ صُورِ المَظنةِ، بل يَكفِي احتِمالُ الحِكمةِ، ولذلكَ ثبَتَ الحُكمُ به فيما إذا بَقيَ ضِمْنًا، مع أنَّ العَمدَ لا يَختلفُ مع اتِّحادِ الآلةِ والفِعلِ بسُرعةِ الإفضاءِ وإبطائِه، ولأنَّ في البَدنِ مَقاتلَ خَفيةً، وهذا له سِرايةٌ ومَوتٌ، فأشبَهَ الجُرحَ الكَبيرَ، قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرقيِّ، فإنه لم يُفرِّقْ بينَ الصَّغيرِ والكَبيرِ، وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ، وللشافِعيِّ مِنْ التَّفصيلِ نَحوٌ ممَّا ذكَرْنا (١).
أما المالِكيةُ فلَم أقَفْ لهم على قَولٍ في هَذهِ المَسألةِ.
(١) «المغني» (٨/ ٢٠٨، ٢٠٩)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٩٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٦، ٧).