للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : قَولُه : «إنَّ رَجلًا قتَلَ تِسعًا وتِسعينَ نَفسًا ثم قتَلَ تَمامَ المِائةِ ثمَّ أفتاهُ العالِمُ بأنَّ له تَوبةً»، هذا مَذهبُ أهلِ العِلمِ، وإجماعُهم على صِحةِ تَوبةِ القاتِلِ عَمدًا، ولم يُخالِفْ أحدٌ منهُم إلا ابنَ عبَّاسٍ، وأما ما نُقلَ عن بَعضِ السلفِ مِنْ خِلافِ هذا فمُرادُ قائِلِه الزَّجرُ عن سَببِ التَّوبةِ، لا أنه يَعتقدُ بُطلانَ تَوبتِه (١).

وعن عَبدِ اللهِ أنَّ عُبادةَ بنَ الصَّامتِ وكانَ شَهِدَ بَدرًا وهو أحَدُ النُّقباءِ لَيلةَ العَقَبةِ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ وحَولَه عِصابةٌ مِنْ أصحابِه: «بايِعُونِي على أنْ لا تُشرِكُوا باللهِ شَيئًا ولا تَسرقُوا ولا تَزنُوا ولا تَقتلُوا أولادَكُم ولا تَأتُوا ببُهتانٍ تَفترونَه بينَ أيدِيكُم وأرجُلِكُم ولا تَعصُوا في مَعروفٍ، فمَن وَفِيَ مِنْكُمْ فأَجرُهُ على اللهِ، ومَن أصابَ مِنْ ذلكَ شَيئًا فعُوقِبَ في الدُّنيا فهو كفَّارةٌ له، ومَن أصابَ مِنْ ذلكَ شَيئًا ثمَّ سَتَرَه اللهُ فهو إلى اللهِ؛ إنْ شاءَ عَفَا عنه، وإنْ شاءَ عاقَبَه، فبايَعْناهُ على ذلكَ» (٢).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : إجماعُ أهلِ الحَقِّ على أنَّ الزانِيَ والسارِقَ والقاتِلَ وغيرَهُم مِنْ أصحابِ الكَبائرِ غيرِ الشِّركِ لا يَكفرونَ بذلكَ، بل هُمْ مُؤمنونَ ناقِصُو الإيمانِ، إنْ تابُوا سَقطَتْ عُقوبتُهم، وإنْ ماتوا مُصرِّينَ على الكَبائرِ كانُوا في المَشيئةِ؛ فإنْ شاءَ اللهُ تعالَى عفَا عنهُم وأدخَلَهُم الجُنةَ أوَّلًا، وإنْ شاءَ عذَّبَهم ثمَّ أدخَلَهم الجُنةَ (٣).


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٧/ ٨٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٨).
(٣) «شرح صحيح مسلم» (٢/ ٤١، ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>