للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقدْ أخبَرَ النبيُّ أنَّ الأمَراءَ يَظلمونَ ويَفعلونَ أمورًا مُنكَرةً، ومع هذا فأمَرَنا أنْ نُؤتيَهم الحقَّ الذي لهُم ونَسألَ اللهَ الحقَّ الذي لنا، ولم يَأذنْ في أخذِ الحَقِّ بالقتالِ، ولم يُرخِّصْ في تركِ الحقِّ الذي لهم.

وفي الصَّحيحينِ عن ابنِ عبَّاسٍ عن النبيِّ قالَ: «مَنْ رَأى مِنْ أميرِه شَيئًا يَكرهُه فلْيَصبِرْ عليهِ، فإنه مَنْ فارَقَ الجَماعةَ شِبرًا فماتَ إلا ماتَ مِيتةً جاهِليةً»، وفي لَفظٍ: «فإنه مَنْ خرَجَ مِنْ السُّلطانِ شِبرًا فماتَ ماتَ مِيتةً جاهِليةً» واللفظُ للبُخاريِّ، وقد تقدَّمَ قولُه لمَّا ذكَرَ أنهُم لا يَهتدونَ بهَديِه ولا يَستنُّونَ بسُنتِه، قالَ حُذيفةُ: «كيفَ أصنَعُ يا رَسولَ اللهِ إنْ أدرَكْتُ ذلكَ؟ قالَ: تَسمعُ وتُطيعُ للأميرِ وإنْ ضرَبَ ظهرَكَ وأخَذَ مالَكَ فاسمَعْ وأطِعْ»، فهذا أمرٌ بالطاعةِ مع ظُلمِ الأميرِ.

وتقدَّمَ قولُه : «مَنْ وَلِيَ عليهِ والٍ فرَآهُ يأتي شَيئًا مِنْ مَعصيةِ اللهِ فلْيَكرَهْ ما يَأتي مِنْ مَعصيةِ اللهِ ولا يَنزِعَنَّ يَدًا عن طاعةٍ»، وهذا نهيٌ عن الخُروجِ عن السُّلطانِ وإنْ عَصى.

وتقدَّمَ حَديثُ عُبادةَ «بايَعْنا رَسولَ اللهِ على السَّمعِ والطاعةِ في مَنشَطِنا ومَكرِهَنا وعُسرِنا ويُسرِنا وأثَرةٍ علينا، وأنْ لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، قالَ: إلا أنْ تَرَوا كُفرًا بَواحًا عندَكُم مِنْ اللهِ فيه بُرهانٌ» وفي رِوايةٍ: «وأنْ نَقولَ أو نَقومَ بالحقِّ حيثُ ما كنَّا لا نَخافُ في اللهِ لَومةَ لائمٍ»، فهذا أمرٌ بالطاعةِ مع استِئثارِ وَليِّ الأمرِ، وذلكَ ظُلمٌ منه، ونَهيٌ عن مُنازَعةِ الأمرِ أهلَه، وذلكَ نهيٌ عن الخُروجِ عليهِ؛ لأنَّ أهلَه هم أُولو الأمرِ الذينَ أمَرَ بطاعتِهم، وهُم الذينَ لهم سُلطانٌ يَأمرونَ به، وليسَ المُرادُ مَنْ يَستحقُّ أنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>