للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أيضًا: وقولُه: «مَنْ رَأى شَيئًا يَكرهُه فلْيَصبرْ» يعني: مِنْ الظُّلمِ والجَورِ، فأما مَنْ رَأى شَيئًا مِنْ مُعارَضةِ اللهِ ببدعةٍ أو قَلبِ شَريعةٍ فلْيَخرجْ مِنْ تلكَ الأرضِ ويُهاجرْ منها، وإنْ أمكَنَه إمامٌ عَدلٌ واتَّفقَ عليهِ جُمهورُ الناسِ فلا بأسَ بخَلعِ الأوَّلِ، فإنْ لم يَكنْ معَه إلا قِطعةٌ مِنْ الناسِ أو ما يُوجِبُ الفُرقةَ فلا يَحلُّ له الخُروجُ.

قالَ أبو بَكرِ بنُ الطيِّبِ: أجمَعَتِ الأمَّةُ أنه يُوجِبُ خلْعَ الإمامِ وسُقوطَ فَرضِ طاعتِه كُفرُه بعدَ الإيمانِ وتَركُه إقامةَ الصَّلاةِ والدَّعاَء إليها، واختَلفُوا إذا كانَ فاسِقًا ظالمًا غاصِبًا للأموالِ يَضربُ الأبشارَ ويَتناولُ النُّفوسَ المحرَّمةَ ويُضيِّعُ الحدودَ ويُعطِّلُ الحقوقَ، فقالَ كَثيرٌ مِنْ الناسِ: يَجبُ خَلعُه لذلكَ، وقالَ الجُمهورُ مِنْ الأمةِ وأهلِ الحَديثِ: لا يُخلعُ بهذهِ الأمورِ، ولا يَجبُ الخروجُ عليهِ؛ بل يجبُ وَعظُه وتَخويفُه وتَركُ طاعتِه فيما يَدعو إليه مِنْ مَعاصِي اللهِ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأجمَعَ أهلُ السُّنةِ أنه لا يَنعزلُ السُّلطانُ بالفِسقِ، وأما الوَجهُ المَذكورُ في كُتبِ الفِقهِ لبعضِ أصحابِنا أنه يَنعزلُ وحُكيَ عن المُعتزلةِ أيضًا فغَلطٌ مِنْ قائلِه مُخالِفٌ للإجماعِ، قالَ العُلماءُ: وسَببُ عَدمِ انعِزالِه وتَحريمِ الخُروجِ عليهِ ما يَترتبُ على ذلكَ مِنْ الفِتنِ وإراقةِ الدِّماءِ وفَسادِ ذاتِ البَينِ، فتكونُ المَفسدةُ في عَزلِه أكثَرَ منها في بَقائِه، قالَ القاضي عياضٌ: أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ الإمامةَ لا تَنعقدُ لكافرٍ، وعلى أنه لو طرَأَ عليهِ الكفرُ انعَزلَ، قالَ: وكذا لو ترَكَ إقامةَ الصَّلواتِ والدعاءَ إليها، قالَ:


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>