أقولُ وباللهِ تَعالى التَّوفيقُ: أمَّا إذا كانت كِلتَا الجَماعَتَينِ جَماعةً ثانيةً، وليسَت إحداهما الجماعةَ الأصليةَ لِلمَسجِدِ، وفُوجِئَت كُلُّ منهما بأنَّ هناكَ جَماعةً أُخرى في المَسجِدِ، وكانَ هذا مِنْ غَيرِ قَصدٍ، فعلى كِلتا الجَماعَتَينِ أن تُتِمَّ كُلُّ واحِدةٍ منهما صَلاتَها، ولا يَقطَعَ إمامُ واحِدةٍ منهما صَلاتَه، حتى لو تأكَّد أنَّ الجَماعةَ الأُخرى أسبَقُ مِنْ جَماعَتِه؛ لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣]، وليس هُناكَ نَصٌّ صَريحٌ يَمنَعُ مِنْ إقامةِ جَمَاعَتَينِ في وَقتٍ واحِدٍ، إذا كانَتا بهذه الكَيفيَّةِ، بل لقد جاءَ ما يَدُلُّ على ذلك، وهو ما رَوَته عائِشةُ ﵂ قالَت: «كانَ الناسُ يُصَلُّونَ في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ ﷺ في رَمَضَانَ بِاللَّيلِ أَوزَاعًا، يَكُونُ مع الرَّجُلِ شَيءٌ مِنَ القُرآنِ، فَيَكُونُ معه النَّفَرُ الخَمسَةُ أَوِ السِّتَّةُ أو أَقَلُّ مِنْ ذلك أو أَكثَرُ، فيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ». رواه أحمد في «المسند» (٦/ ٢٦٧)، واللَّفظ له، وأبو داود (١٣٧٤)، وصَحَّحَه الألباني في «صَلاة التَّراويح» (١/ ١١). ورَوى البخاري (١٩٠٦) عن عبد الرحمن بنِ عَبد القارِيِّ قالَ: «خَرَجتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ﵁ لَيلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسجِدِ، فإذا الناسُ أَوزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهطُ … » الحَديثَ. فهذانِ الدَّليلانِ يَدُلَّانِ على جَوازِ أكثَرَ مِنْ جَماعةٍ في مَسجِدٍ واحِدٍ، واللهُ تَعالى أعلَمُ، ولكِن لا يُتَعَمَّدُ إنشاءُ جَماعةٍ أُخرى مع وُجودِ جَماعةٍ؛ لِمَا في ذلك مِنْ تَفريقِ الصُّفوفِ.