للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابَ: لا تُكرَهُ، وهو مَفهومٌ بالأَولى مِنْ نَفيِ كَراهةِ إقامةِ جَماعةٍ فيه قبلَ إمامِه، وعِبارةُ التَّحقيقِ إن كانَ لِلمَسجدِ إمامٌ راتِبٌ وليس مَطروقًا كُرِهَ لغيرِ إمامِه إقامةُ الجَماعةِ فيه، ويُقالُ: لا، إن أُقيمَت بعدَ فَراغِ الإمامِ، وإلَّا فلا، وعِبارةُ الرَّوضِ: ويُكرَهُ أن تُقامَ جَماعةٌ في مَسجدٍ بغيرِ إذنِ إمامِه، إلا إذا كانَ مَطروقًا، وعبارةُ جامِع المُختصَراتِ: وتُكرَهُ الجَماعةُ بذي راتِبٍ لا يُطرَقُ، ولو بعدَه في الأصَحِّ. اه.

ومَا صرَّح به في التَّتمَّةِ مِنْ كَراهةِ عَقدِ جَماعتَينِ في حالةٍ واحدةٍ مَحَلُّه في غيرِ المَطروقِ؛ فإنَّ أكثرَهم صرَّح بكَراهةِ القَبليَّةِ والبَعدِيَّةِ، وسكتَ عن المُقارَنةِ (١).


(١) «فتاوى الرَّملي» (٢/ ٩٦)، و «نهاية المحتاج» (٢/ ١٤١)، و «حاشية الجمل» (١/ ٥٠٥) قُلتُ: وقد سُئِلَ الشَّيخ ابنُ عُثَيمينَ في «مَجموع فتاويه» (١٥/ ٤٢): ما حُكمُ مَنْ يُقيمُ جَماعةً ثانيةً في المَسجِدِ، عِلمًا بأنَّ الجَماعةَ الأُولى لم تَنْتَهِ مِنَ الصَّلاةِ؟ وهل تُعَدُّ صَلاتُهم باطِلةً؟ فأجابَ بقَولِه: الأولى إذا جِئتَ والإمامُ في التَّشَهُّدِ الأخِيرِ وأنتَ مَعَكَ جَماعةٌ، ألَّا تَبدَؤُوا بالصَّلاةِ حتى تَتِمَّ الجَماعةُ، والأولَى لِئَلَّا يَجتَمِعَ جَماعَتانِ في آنٍ واحِدٍ، ولكِن إذا فَعَلوا ذلك، وكانوا بَعيدينَ مِنَ الجَماعةِ الأُولى، لا يُشَوِّشونَ عليهم، فلا بَأسَ بهذا. انتَهَى كَلامُه .
أقولُ وباللهِ تَعالى التَّوفيقُ: أمَّا إذا كانت كِلتَا الجَماعَتَينِ جَماعةً ثانيةً، وليسَت إحداهما الجماعةَ الأصليةَ لِلمَسجِدِ، وفُوجِئَت كُلُّ منهما بأنَّ هناكَ جَماعةً أُخرى في المَسجِدِ، وكانَ هذا مِنْ غَيرِ قَصدٍ، فعلى كِلتا الجَماعَتَينِ أن تُتِمَّ كُلُّ واحِدةٍ منهما صَلاتَها، ولا يَقطَعَ إمامُ واحِدةٍ منهما صَلاتَه، حتى لو تأكَّد أنَّ الجَماعةَ الأُخرى أسبَقُ مِنْ جَماعَتِه؛ لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣]، وليس هُناكَ نَصٌّ صَريحٌ يَمنَعُ مِنْ إقامةِ جَمَاعَتَينِ في وَقتٍ واحِدٍ، إذا كانَتا بهذه الكَيفيَّةِ، بل لقد جاءَ ما يَدُلُّ على ذلك، وهو ما رَوَته عائِشةُ قالَت: «كانَ الناسُ يُصَلُّونَ في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ في رَمَضَانَ بِاللَّيلِ أَوزَاعًا، يَكُونُ مع الرَّجُلِ شَيءٌ مِنَ القُرآنِ، فَيَكُونُ معه النَّفَرُ الخَمسَةُ أَوِ السِّتَّةُ أو أَقَلُّ مِنْ ذلك أو أَكثَرُ، فيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ». رواه أحمد في «المسند» (٦/ ٢٦٧)، واللَّفظ له، وأبو داود (١٣٧٤)، وصَحَّحَه الألباني في «صَلاة التَّراويح» (١/ ١١).
ورَوى البخاري (١٩٠٦) عن عبد الرحمن بنِ عَبد القارِيِّ قالَ: «خَرَجتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لَيلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسجِدِ، فإذا الناسُ أَوزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهطُ … » الحَديثَ. فهذانِ الدَّليلانِ يَدُلَّانِ على جَوازِ أكثَرَ مِنْ جَماعةٍ في مَسجِدٍ واحِدٍ، واللهُ تَعالى أعلَمُ، ولكِن لا يُتَعَمَّدُ إنشاءُ جَماعةٍ أُخرى مع وُجودِ جَماعةٍ؛ لِمَا في ذلك مِنْ تَفريقِ الصُّفوفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>