قالَ القاضي أبو بكرٍ: ومما يُوجِبُ خلْعَ الإمامِ تطابُقُ الجُنونِ عليهِ وذَهابُ تَمييزِه حتى يُيْئَسَ مِنْ صحَّتِه، وكذلكَ إنْ صُمَّ أو خرَسَ وكَبِرَ وهَرمَ، أو عرَضَ له أمرٌ يَقطعُه مِنْ مَصالحِ الأمَّةِ؛ لأنه إنما نُصبَ لذلكَ، فإذا عطَّلَ ذلكَ وجَبَ خَلعُه، وكذلكَ إنْ جُعلَ مأسورًا في أيدي العَدوِّ إلى مُدةٍ يُخافُ معها الضررُ الداخلُ على الأمَّةِ ويُيْئسَ مِنْ خَلاصِه وجَبَ الاستبدالُ به، فإنْ فكَّ أسْرَه وثابَ عقلُه أو بَرِئَ مِنْ زَمانتِه ومَرضِه لم يَعدْ إلى أمرِه وكانَ رعيَّةً للأولِ؛ لأنه عُقدَ له عندَ خَلعِه وخُروجِه مِنْ الحقِّ، فلا حَقَّ له فيه، ولا يُوجِبُ خُلعَه حُدوثُ فَضلٍ في غيرِه كما يَقولُ أصحابُنا: إنَّ حُدوثَ الفِسقِ في الإمامِ بعدَ العَقدِ لا يُوجبُ خَلعَه، ولو حدَثَ عندَ ابتداءِ العَقدِ لَبطَلَ العَقدُ له ووجَبَ العدولُ عنه، وأمثالُ هذا في الشَّريعةِ كَثيرٌ (١).
وقالَ الإمامُ أبو يَعلى الفرَّاءُ ﵀: وإذا وُجدَتْ هذه الصفاتُ حالةَ العَقدِ ثم عُدمَتْ بعدَ العقدِ نَظَرْت، فإنْ كانَ جَرحًا في عَدالتِه -وهو الفِسقُ- فإنه لا يَمنعُ مِنْ استِدامةِ الإمامةِ، سَواءٌ كانَ مُتعلِّقًا بأفعالِ الجَوارحِ، وهو ارتِكابُ المَحظوراتِ وإقدامُه على المُنكَراتِ اتباعًا لشَهوتهِ، أو كانَ مُتعلِّقًا بالاعتقادِ، وهو المتأوِّلُ لشُبهةٍ تَعرضُ يَذهبُ فيها إلى خِلافِ الحَقِّ، وهذا ظاهِرُ كَلامِه في رِوايةِ المَروزيِّ في الأميرِ يَشربُ المُسكِرَ ويَغلُّ يُغزَى معَه، وقد كانَ يَدعو المُعتصمَ بأميرِ المُؤمنينَ، وقد دَعاهُ إلى القَولِ بخَلقِ القرآنِ.