واحدٍ، ثم تُقامُ الصَّلاةُ، فيَتقدَّمُ الإمامُ الرَّاتبُ فيُصلِّي وأولئكَ عُكوفٌ مِنْ غيرِ ضَرورةٍ تَدعوهم إلى ذلك، تاركونَ لِإقامةِ الصَّلاةِ مع الإمامِ الرَّاتبِ، مُتشاغِلونَ بالنَّوافِلِ والحَديثِ حتى تَنقَضيَ صَلاةُ الأوَّلِ، ثم يَقومُ الذي يَليهِ وتَبقى الجَماعةُ الأُخرى على نحوِ ما ذكَرنا، ثم يُصَلُّونَ، أو تَحضُرُ الصَّلاةُ الواحدةُ، كالمَغربِ، فيُقيمُ كلُّ إمامٍ الصَّلاةَ جَهرًا يَسمَعُها الجَميعُ، ووُجوهُهم مُتَرائِيةٌ، والمُقتَدونَ بهم مُختَلِطونَ في الصُّفوفِ، ويَسمَعُ كلُّ واحدٍ مِنْ الأئمَّةِ قِراءةَ الآخَرينَ، ويَركَعونَ ويَسجُدونَ، فَيَكونُ أحَدُهم في الرُّكوعِ والآخَرُ في الرَّفعِ منه، والآخَرُ في السُّجودِ، فالأمَّةُ مُجمِعةٌ على أنَّ هذه الصَّلاةَ لا تَجوزُ، وأقَلُّ أحوالِها أن تَكونَ مَكروهةً.
ثم قالَ في مَوضِعٍ آخرَ: فأمَّا إقامةُ صَلاةٍ واحدةٍ بإمامَين راتِبَينِ يَحضُرُ كلُّ واحدٍ مِنْ الإمامَينِ فيَتقدَّمُ أحَدُهما، وهو الذي رُتِّبَ لِيُصلِّيَ أوَّلَ، وتَجلِسُ الجَماعةُ الأُخرى وإمامُهم عُكوفًا حتى يَفرُغَ الأوَّلُ، ثم يُقيمونَ صَلاتَهم، فهذا ممَّا لم يَقُل به أحَدٌ، ولا يُمكِنُ أحدًا أن يَحكيَ مثلَ هذا القولِ عن أحَدٍ مِنْ الفُقهاءِ، لا فِعلًا ولا قَولًا، فكيف بإمامَينِ يُقيمانِ الصَّلاةَ في وَقتٍ واحدٍ، يَقولُ كلُّ واحدٍ منهما: حَيَّ على الصَّلاةِ، ويُكبِّرُ كلُّ واحدٍ منهما، وأهلُ القُدوةِ مُختَلِطونَ، ويَسمَعُ كلُّ واحدٍ قِراءةَ الآخَرِ، فهؤلاء زادوا على الخِلافِ الذي لِسَلفِ الأمَّةِ وخَلَفِها، وخالَفُوا قولَ رَسولِ اللهِ ﷺ:«لَا يَجهَر بَعضُكُم على بَعضٍ بِالقُرآنِ»(١)، واللهِ لم
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام مالِك في «الموطأ» (١٧٧)، وأحمد في «المسند» (٢/ ٣٦، ٦٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٦٠، ٨٠٩١).