للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا أقولُ فيه مُستعينًا باللهِ تعالَى: إنْ سبَقَ عقدُ الإمامةِ لصالحٍ لها وكنَّا نَراهُ عندَ العقدِ مُستقِلًّا بالنظرِ في جَميعِ الأقطارِ ثم ظهَرَ ما يَمنعُ مِنْ انبثاثِ نَظرِه أو طرَأَ فلا وجْهَ لتركِ الذينَ لا يَبلغُهم أمرُ الإمامِ مُهمَلينَ، ولكنَّهم يَنصِبونَ أميرًا يَرجعونَ إلى رأيِه ويَصدُرونَ عن أمرِه ويَلتزمونَ شَريعةَ المُصطفَى فيما يَأتونَ ويَذرونَ، ولا يكونُ ذلكَ المَنصوبُ إمامًا، ولو زالَتِ المَوانعُ واستَمكنَ الإمامُ مِنْ النظرِ لهم أذعَنَ الأميرُ والرَّعايا للإمامِ، وألقَوا إليه السَّلَمَ، والإمامُ يمهِّدُ عذْرَهم، ويَسوسُ أمْرَهم، فإنْ رأى تَقريرَ مَنْ نَصبوهُ فعَلَ، وإنْ رَأى تغييرَ الأمرِ فرأيُه المَتبوعُ وإليه الرجوعُ.

وإنْ لم يَتقدمْ نَصبُ إمامٍ كما تقدَّمَ تَصويرُه، ولكنْ خَلا الدهرُ عن إمامٍ في زَمنِ فَترةٍ، وانفصَلَ شَطرٌ مِنْ الخطَّةِ عن شَطرٍ، وعزَّ نَصبُ إمامٍ واحدٍ يَشملُ رأيُه البلادَ والعِبادَ، فنُصِبَ أميرٌ في أحدِ الشَّطرينِ للضَّرورةِ في هذهِ الصُّورةِ، ونُصبَ أميرٌ في القُطرِ الآخَرِ مَنصوبٌ، ولم يقَعِ العقدُ الواحدُ على حُكمِ العُمومِ، إذا كانَ يتأتَّى ذلك، فالحقُّ المتبَعُ في ذلكَ أنَّ واحدًا منهُما ليسَ إمامًا؛ إذ الإمامُ هو الواحِدُ الذي به ارتباطُ المُسلمينَ أجمَعينَ.

ولستُ أُنكِرُ تَجويزَ نَصبِهما على حَسبِ الحاجةِ، ونُفوذَ أمرِهما على مُوجَبِ الشرعِ، ولكنَّه زمانٌ خالٍ عن الإمامِ (١).


(١) «غياث الأمم» (٣٢٠، ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>