للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ نُصبَ إمامٌ في بعضِها وآخَرُ في باقيها مع التمكُّنِ مِنْ نَصبِ إمامٍ نافذِ الأمرِ في جَميعِ الخُطَّةِ كانَ ذلكَ باطِلًا إجماعًا كما سبَقَ تَقريرُه، وفيه إبطالُ فائِدةِ الإمامةِ المَنوطةِ برأيِ واحدٍ يَجمعُ الآراءَ كما سبَقَ إيضاحُه فيما تقدَّمَ، وهذا واضِحٌ لا خَفاءَ به.

والذي تَباينَتْ فيه المَذاهبُ أنَّ الحالةَ إذا كانَتْ بحَيثُ لا يَنبسطُ رأيُ إمامٍ واحِدٍ على المَمالكِ، وذلكَ يُتصوَّرُ بأسبابٍ لا تَغمضُ، منها اتِّساعُ الخطَّةِ، وانسِحابُ الإسلامِ على أقطارٍ مُتبايِنةٍ وجَزائرَ في لُجَجٍ مُتقاذِفةٍ، وقد يَقعُ قيامُ قومٍ مِنْ الناسِ نُبذةً مِنْ الدُّنيا لا يَنتهي إليهم نَظرُ الإمامِ، وقد يَتولَّجُ خطَّةٌ مِنْ ديارِ الكُفرِ بينَ خطَّةِ الإسلامِ، ويَنقطعُ بسَببِ ذلكَ نَظرُ الإمامِ عن الذينَ وَراءَه مِنْ المُسلمينَ.

فإذا اتَّفقَ ما ذكَرْناهُ فقدْ صارَ صائِرونَ عندَ ذلكَ إلى تَجويزِ نَصبِ إمامٍ في القُطرِ الذي لا يَبلغُه أثرُ نَظرِ الإمامِ، ويُعزَى هذا المَذهبُ إلى شيخِنا أبي الحَسنِ والأستاذِ أبي إسحاقَ الإسفرايينيِّ وغيرِهما، وابتَغى هَؤلاءِ مَصلحةَ الخَلقِ وقالُوا: إذا كانَ الغَرضُ مِنْ الإمامةِ استِصلاحُ العامَّةِ وتَمهيدُ الأمورِ وسَدُّ الثغورِ، فإذا تَيسَّرَ نَصبُ إمامٍ واحدٍ نافذِ الأمرِ فهو أصلَحُ لا مَحالةَ في مُقتَضى السِّياسةِ والإيالةِ وإنْ عَسُرَ ذلك، ولا سَبيلَ إلى تَركِ الذينَ لا يَبلغُهم نَظرُ الإمامِ مُهمَلينَ لا يَجمعُهم وازعٌ ولا يَردَعُهم رادعٌ، فالوَجهُ أنْ يَنصِبوا في ناحِيتِهم وِزرًا يَلوذونَ به، إذ لو بَقَوا سُدًى لَتهافَتوا على وَرطاتِ الرَّدى، وهذا ظاهِرٌ لا يُمكنُ دَفعُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>