وقالَتِ الكرَّاميةُ: يَجوزُ اثنانِ فأكثَرَ كما كانَ عليٌّ ومُعاويةُ إمامَينِ واجبَيِ الطاعةِ، قالوا: وإذا جازَ بَعثُ نَبيَّينِ في وَقتٍ واحِدٍ وأكثَرَ جازَ ذلكَ في الإمامةِ؛ لأنَّ النبوَّةَ أعلَى رُتبةً بلا خِلافٍ.
وحكَى إمامُ الحرَمينِ عن الأستاذِ أبي إسحاقَ أنه جوَّزَ نصْبَ إمامَينِ فأكثَرَ إذا تباعَدَتِ الأقطارُ واتسَعَتِ الأقاليمُ بينَهُما، وتردَّدَ إمامُ الحَرمينِ في ذلكَ، قلتُ: وهذا يُشبهُ حالَ الخُلفاءِ بَني العباسِ بالعِراقِ والفاطِميِّينَ بمِصرَ والأمَويِّينَ بالمَغربِ (١).
وقالَ إمامُ الحرَمينِ أبو المُعالِي الجُوَينيُّ ﵀: إذا تيسَّرَ نَصبُ إمامٍ واحدٍ يُطبِّقُ خطَّةَ الإسلامِ نَظرُه، ويَشملُ الخَليقةَ على تَفاوتِ مَراتبِها في مَشارقِ الأرضِ ومَغاربِها أثَرُه، تعيَّنَ نَصبُه ولم يَسُغْ -والحالةُ هذهِ- نَصبُ إمامَينِ، وهذا مُتفَقٌ عليهِ، لا يُلفَى فيه خِلافٌ، ولمَّا استَتبَّتِ البَيعةُ لخَليفةِ رَسولِ اللهِ ﷺ أبي بَكرٍ الصدِّيقِ ﵁ ثم استَمرَّتِ الخِلافةُ إلى مُنقرضِ زَمنِ الأئمَّةِ ﵃ أجمَعينَ فُهِمَ على الاضطِرارِ مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى نَقلِ أخبارٍ مِنْ مَذاهبِ المُهاجِرينَ والأنصارِ أنَّ مَبنى الإمامةِ على أنْ لا يَتصدَّى لها إلا فَردٌ، ولا يَتعرَّضَ لها إلا واحِدٌ في الدَّهرِ، ومَن لم يُحِطْ بدَركِ ذلكَ مِنْ شِيَمِ العاقِدينَ والذين عُقِدَ لهم فهو بَعيدُ الفَهمِ فَدِمُ القَريحةِ مُستميتُ الفِكرِ.